بازگشت

الخائن


و منذ البداية، لم يكن زياد يمتلك الحصانة اللازمة للصمود أمام اغراء امتيازات المنصب الذي شغله (خليفة) لعامل أميرالمؤمنين عليه السلام، عبدالله بن العباس علي البصرة و فارس و أعمالها، فكان يمد يديه و يستأثر ببعض أموال المسلمين، و كان يبلغ الامام عليه السلام بعض تصرفاته، و قد حذره عليه السلام تحذيرا هينا لينا في البداية، و أوصاه أن (استعمل العدل، و احذر العسف و الحيف، فان العسف يعود بالجلاء و الحيف يدعو الي السيف) [1] ثم حذره تحذيرا شديدا وقرعه، عندما أوشكت الأخبار الواردة بشأنه أن تتحقق، و عندها شعر زياد بالخوف الش... من الامام، و أنه لا أمل له بأي (مكسب) اضافي من وراثة أو بسرقة تتم من وراء ظهره، و لم تكن سيرة الامام عليه السلام و أخلاقه تغيب عن زياد، و ما جدوي أن يكون عاملا له و هو كأحد الناس لا يتميز عليهم بمال أو ثروة اضافية، و قد استشعر الخطر الماثل أمامه اذا ما تجرا و خرج علي أصول التعامل و الحكم التي أوضحها الامام و رسمها لعماله و أصحابه.

لقد كتب اليه الامام ثانية، و لعله كتب اليه قبل ذلك (و اني أقسم بالله قسما صادقا لئن بلغني أنك خنت من في ء المسلمين شيئا صغيرا أو كبيرا، لأشدن عليك شدة تدعك قليل الوفر ثقيل الظهر، ضئيل الأمر) [2] .

و اذا ما ظهر علي الجانب الآخر من المعركة من يلوح له بما يري أنه لا يمكن الحصول عليه ما دام مع الامام عليه السلام، و هو الأموال الطائلة و الصلاحيات المطلقة بأموال الناس و مقدراتهم، و يلوح له بأمر آخر لم يزل في نفسه، فان آخر حصونه قد تهاوت أمام الاغراءات العديدة التي قدمها له (أخوه) معاوية بكل سخاء.

و قد أراد الامام عليه السلام منذ البداية، و منذ أن رأي معاوية يلوح بنسبه (السامي) لزياد و يعرض عليه أن يلحقه به، أن يحذر زياد من الوقوع في هذه المكيدة التي


سجلت عليه العار الي الأبد و تجعله مضغة لا في أفواه معاصريه و حسب، بل في أفواه جميع من سيأتون بعد ذلك، فقد كتب اليه عليه السلام، (اني وليتك ما وليتك، و أنا أراك له أهلا، و قد كانت من أبي سفيان فلتة من أماني الباطل و كذب النفس لا توجب له ميراثا و لا تحل له نسبا، و أن معاوية يأتي الانسان من بين يديه و من خلفه و عن يمينه و عن شماله، فاحذره ثم احذره) [3] و ربما انتظر زياد الفرصة المناسبة للالتحاق بمعاوية، و قد واتته هذه الفرصة أخيرا بعد اغتيال الامام و صلح الحسن عليه السلام. و لم يكن بالمرء الذي يستهين به معاوية، فقد كان (عاملا لعلي بن أبي طالب علي فارس، فلما مات علي عليه السلام و بايع الحسن معاوية عام الجماعة، بقي زياد بفارس، و قد ملكها و ضبط قلاعها، فاغتم به معاوية) [4] .


پاورقي

[1] نهج‏ البلاغة 765.

[2] المصدر السابق 536.

[3] ابن ‏الأثير 301 - 3.

[4] العقد الفريد 249 - 5.