بازگشت

لم يرتدع رغم نصائح الامام


كان الامام عليه السلام يعلم مدي استعداده للشر، و يعرف مدي الدمار الذي سيلحق بالمسلمين اذا ما اتحدت قوة الشر عنده مع أختها عند معاوية، و كان يدرك ضرورة فصل هاتين القوتين عن بعضهما، كما عمله رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، اذ أنهما لا تجتمعان علي خير أبدا كما صرح صلي الله عليه وآله وسلم.

و لقد حذره كثيرا من معاوية و شروره، بنفس القوة التي اتجه فيها الي معاوية يحذره شرور نفسه و سيئات أعماله، و قد شخص الامام بدقة حال عمرو مع معاوية، و كشف أمامه نفسه الملتوية المجبولة علي الشر و الخديعة، و قام يلقي عليه الحجة بعد الحجة، اذ ربما يعمد الي التذرع بما يعمد اليه البسطاء و المغفلون، و كشف أمامه نفسه لأنه ربما حسب نفسه بمنجاة من مراقبة الآخرين و أن سلوكه ربما تخفي دوافعه عليهم. و ربما تذرع - كما قلنا - بما يتذرع به البسطاء، و هو ليس بسيطا، و ليس بالذي لا يدرك ما يقوم به.

و كانت حجج الامام عليه السلام بالغة قوية مؤثرة في كل خطاباته و رسائله اليه و قد رأينا نموذجا منها، و هذا نموذج آخر: (فانك جعلت دينك تبعا لدين امري ظاهر غيه، مهتوك ستره، يشين الكريم بمجلسه و يسفه الحليم بخلطته، فاتبعت أثره و طلبت فضله، اتباع الكلب للضرغام، يلوذ الي مخالبه و ينتظر ما يلقي اليه من فضل فريسته، فأذهبت دنياك و آخرتك. و لو بالحق أخذت أدركت ما طلبت، فان يمكنني الله منك و من ابن أبي سفيان أجزكما بما قدمتماه و ان تعجزا أو تبقيا فما أمامكما شر لكما» [1] .

لقد أراد الامام أن يردع عمرا و يثنيه عن طريقه الأعوج ويريه أنه خاسر، لا في الآخرة و حسب - و التي لم يكن عمرو يحسب حسابها بأي حال من الأحوال، و انما


في هذه الدنيا، التي أصبحت علي و شك الانتهاء و قد شارف عمرو علي الثمانين، و أي لذات و مباهج لابن الثمانين، غير مباهج الاسلام و لذات التهيؤ للقاء الله لو كان يعقل ابن العاص، و هو الذي يحسب نفسه أعقل البشر و أكثرهم دهاء و فهما.


پاورقي

[1] نهج‏ البلاغة 580.