بازگشت

نفس أميرالمؤمنين تفيض أسي و حزنا حتي علي أعدائه


و حتي مع رجال أمثال معاوية و عمرو، لم يترك الامام عليه السلام النصح و الارشاد و الدعوة الي طريق الحق و التوبة و التراجع عن الباطل، و لعل نفسه كانت تفيض أسي علي أولئك الضالين المنحرفين، و لعله كان يتمني أن ينتهجوا طريقه، لا لأنه طريقه


هو خاصة، بل لأنه طريق الاسلام الذي اختطه محمد صلي الله عليه وآله وسلم، فقد حدث شريح بن هاني ء أن الامام عليه السلام أوصاه بكلمات الي عمرو بن العاص، (قال: قل له اذا أنت لقيته: أن عليا يقول لك: ان أفضل الناس عند الله عزوجل من كان العمل بالحق أحب اليه و ان نقصه وكرثه، من الباطل و ان حن اليه وزاده، يا عمرو، و الله انك لتعلم أين موضع الحق، فلم تجاهل؟ ان أوتيت طمعا يسيرا كنت به لله و أوليائه عدوا، فكأن و الله ما أوتيت قد زال عنك، ويحك! فلا تكن للخائنين خصيما، و لا للظالمين ظهيرا. أما أني أعلم بيومك الذي أنت فيه نادم، و هو يوم وفاتك، تمني أنك لم تظهر لمسلم عداوة، و لم تأخذ علي حكم رشوة. قال: قبلغته ذلك، فتمعن وجهه، ثم قال: متي كنت أقبل مشورة علي أو أنتهي الي أمره أو أعتد برأيه! فقلت له: و ما يمنعك يابن النابغة أن تقبل من مولاك و سيد المسلمين بعد نبيهم مشورته! فقد كان من هو خير منك أبوبكر و عمر يستشيرانه، و يعملان برأيه، فقال: ان مثلي لا يكلم مثلك، فقلت له: و بأي أبويك ترغب عني! بأبيك الوشيط أم بأمك النابغة!) [1] .

و لم يكن محتملا من عمرو أن يتقبل كلام الامام و نصيحته و هو من أعماه حب الدنيا و سار وراء أطماعه الي آخر الشوط، و كان ما كان من نتيجة التحكيم (المهزلة) و كان الامام عليه السلام يعلم من هما الحكمان. و لكن ما كان بوسعه أن يفعل مع مهادنين خونة و جهلة و طامعين و متخاذلين، و قد قال فيما بعد حاثا الناس علي المسير ثانية الي الشام بعد أن شهدوا بأعينهم النتيجة المخجلة المفزعة للتحكيم: (كنت أمرتكم في هذين الرجلين و في الحكومة أمري، و نحلتكم رأيي، لو كان لوصيتي أمر! و لكن أبيتم الا ما أردتم، فكنت أنا و أنتم كما قال أخو هوازن:



أمرتهم أمري بمنعرج اللوي

فلم يستبينوا الرشد الا ضحي الغد



الا أن هذين الرجلين اللذين اخترتموهما حكمين قد نبذا حكم القرآن وراء ظهورهما، و أحييا ما أمات القرآن، و اتبع كل واحد منهما هواه بغير هدي من الله، فحكما بغير حجة بينة، و لا سنة ماضية، و اختلفا في حكمهما، و كلاهما لم يرشد، فبري ء الله منهما و رسوله و صالح المؤمنين) [2] .



پاورقي

[1] المصدر السابق.

[2] نفس المصدر ص 116 و ابن ‏الأثير 216.