بازگشت

الحيل لا تنطلي الا علي الأغبياء


فلم يزدهم بيانه الا اصرارا علي قبول رفع المصاحف و طلبوا اليه أن يبعث الي الأشتر الذي كان علي و شك احراز نصر حاسم في المعركة، و هددوه بشق وحدة الجيش و الخروج عليه و يبدو أنهم كانوا أغلبية كما ذكرنا، و قد استجاب الامام عليه السلام مضطرا لطلبهم غير أنه استمر يذكرهم بموقفه و رفضه لذلك قال: (فاحفظوا عني نهيي اياكم، واحفظوا مقالتكم لي، أما أنا فان تطيعوني تقاتلوا و ان تعصوني فاصغوا ما بدا لكم! قالوا له: اما لا فابعث الي الأشتر فليأتك) [1] و قد تلكأ الأشتر بالاستجابة لذلك، عالما برهافة حسه و معرفته بالامام عليه السلام أنه لم يكن ليقبل بذلك و أنه ربما كان مجبرا علي الاستجابة له، و قد آلمه أن يتخلي عن موقفه و قد أوشك أن يصلي الي معاوية نفسه و قد صرخ بمن جاء يدعوه الي التراجع: (أما و الله لقد ظننت حين رفعت


أنها ستوقع اختلافا و فرقة، انها مشورة ابن العاهرة، ألا تري ما صنع الله لنا! أينبغي أن أدع هؤلاء و أنصرف عنهم؟) [2] .

و قد وقف الأشتر موقفا شديدا من هؤلاء الداعين الي قبول رفع المصاحف الا أنه لم يستطع ثنيهم عن قرارهم و قد زادهم اصرارا سعي بعض المساومين و المتخاذلين من أصحاب الامام عليه السلام أو من الذين عدوا من أصحابه أمثال الأشعث بن قيس الذي كان يبدو فرحا بهذا القرار.

و الذي زاد الطين بلة أن هؤلاء المستجيبين لاقتراح أهل الشام الذين اختاروا عمرو بن العاص صاحب الاقتراح نفسه ليمثلهم في لجنة التحكيم، أبوا الا أن يرسلوا أباموسي الأشعري رغم معارضة الامام عليه السلام ذلك و قوله لهم: (فانكم قد عصيتموني في أول الامر، فلا تعصوني الآن، اني لا أري أن أولي أباموسي. فانه ليس لي بثقة، قد فارقني و خذل الناسي عني ثم هرب مني حتي آمنته بعد أشهر) [3] ثم عرض أن يولي ابن عباس أو الأشتر، الا أن الأشعث و جماعته رفضوا ذلك.

فكانا طرفا التحكيم عمرو بن العاص الذي يميل كل الميل الي معاوية لأن مصالحهما واحدة و فشل معاوية يعني فشل عمرو نفسه، و أبوموسي (عبدالله بن قيس) الذي لم يكن يميل الي الامام و قد خذل الناس عنه و هرب منه حتي أمنه الامام.

و خلال مهزلة التحكيم حول عمرو الدعوة الي ابنه عبدالله كما حاول الأشعري أن يدعو الي صهره عبدالله بن عمر (زوج ابنته) أي أنهما خانا من جاء للتحكيم باسمه، (قال أبوموسي: أما والله لئن استطعت لأحيين اسم عمر بن الخطاب (رض). فقال له عمرو: ان كنت تحت بيعة ابن عمر فما يمنعك من ابني و أنت تعرف فضله و صلاحه! فقال: ابن ابنك رجل صدق، و لكنك قد غمسته في هذه الفتنة) [4] .


پاورقي

[1] نفس المصدر ص 102 - 101 و ابن ائلأثير 193.

[2] المصدر السابق.

[3] المصدر السابق.

[4] نفس المصدر 112 و ابن ‏الأثير 205 و ما بعدها.