بازگشت

باع دينه، فخسر كل شي ء


و كان معاوية يدرك أن عمرا ان تخلي عنه فانه لن يظل محايدا، و لن يظل علي رأيه في المطالبة بدم عثمان، و أنه ان آيس من أي مكسب دنيوي، فانه سيثير الناس عليه و يحرضهم عليه و يفشل الأمر في النهاية. انه لابد سينقلب عليه، و يعلن للملأ خطأه و توبته و أنه انما كان يريد الدنيا مع معاوية، و سيجد حتما من يستمع اليه، و هكذا وضع معاوية يده بيد عمرو و اتفقا علي العمل سوية و كتبا و كتابا بذلك، فقد روي عن أبي موسي الأشعري قال: أخبرني الحسن قال: علم معاوية و الله ان لم يبايعه عمرو بن العاص لن يتم له أمر فقال له: يا عمرو اتبعني. قال: لماذا؟ للآخرة؟ فوالله ما معك آخرة، أم للدنيا؟ فو الله لا كان حتي أكون شريك فيها. قال: فأنت شريكي فيها. قال: فاكتب لي مصر و كورها. فكتب له مصر و كورها. و كتب في آخر الكتاب: و علي عمرو السمع و الطاعة. قال عمرو: واكتب، ان السمع و الطاعة لا ينقصان من شرطه شيئا. فقال معاوية: لا ينظر الناس الي هذا. قال عمرو: حتي تكتب. قال: فكتب و الله ما يجد بدا من كتابتها» [1] .

و لو نظرنا الي أسلوب التخاطب بينهما و المساومة، لرأينا تاجرين يحاولان أن يتفقا علي السعر، السعر الذي وضعاه ثمنا لمصير الأمة كلها، و نري في لهجتهما استهانة مطلقة بكل القيم التي جاء بها الاسلام، فكأنهما يتساومان علي قطيع من الأغنام أو قطعة من الأرض..

و هكذا وضعا برنامجهما المشترك للعمل، و فتحا نفسيهما لبعضهما. لقد باع عمرو نفسه للشيطان، مع أنه شيطان مثله. و كان يدرك عظم ما يقوم به من فعل قبيح، لكنه رأي أن الثمن الباهظ كان يستأهل كل شي ء، حتي السقوط النهائي في أحضان الشيطان. أي طاقة للشر في نفس هذا الرجل يوشك أن تنفلت فلا يريد معاوية التفريط بها و يري أن مصر ثمن بسيط لها مع أنه أراد مماطلته الي أقصي حد ممكن (و دخل عتبة بن أبي سفيان علي معاوية و هو يكلم عمرا في مصر، و عمرو يقول له: انما أبايعك بها ديني! فقال عتبة: ائتمن الرجل بدينه، صاحب من أصحاب محمد صلي الله عليه وآله وسلم!) [2] .


(انه صاحب من أصحاب محمد صلي الله عليه وآله وسلم، أيعقل هذا.؟ كيف كان عمرو بن العاص من أصحاب محمد صلي الله عليه وآله وسلم؟ متي كان ذلك؟ هل كان قبل الهجرة أم بعدها بسنة؟ أم عام الفتح... و هل روي لنا أنه كان من صاحبة الرسول صلي الله عليه وآله وسلم. اللهم الا كما روي لنا عن معاوية أنه كاتب الوحي. أليس الرسول صلي الله عليه وآله وسلم هو القائل فيه و في صاحبه معاوية، يكرمهما كليهما بجلوسه بينهما، الا أن عباده قطع عليهما فرحتهما و قال مخاطبا اياهما: (بينا نحن نسير مع رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم في غزوة تبوك، اذ نظر الكيما تسيران و أنتما تتحدثان، فالتفت الينا فقال: «اذ رأيتموهما اجتمعا ففرقوا بينهما، فانهما لا يجتمعان علي خير أبدا» و أنا أنهاكما عن اجتماعكما» [3] .


پاورقي

[1] العقد الفريد 87 - 5.

[2] المصدر السابق 87 - 5.

[3] نفس المصدر 88 - 5.