بازگشت

من يطالب بدم عثمان


و لننظر الي الكلمة التي وضعها المؤرخان هنا، أو التي وضعها لهم البعض، (فوجد أهل الشام يحضون معاوية علي الطلب بدم عثمان)، من الذي كان يطالب بدم عثمان؟ من كان يحض من؟ هل هم أهل الشام الذين كانوا يحضون معاوية؟ أم معاوية كان يحض أهل الشام (في الخفاء) ليحضوه في العلن؟ لا شك أنه معاوية. لكنه أراد أن يبدو الأمر أمام أبناء الامة الاسلامية الآخرين، و كأن أهل الشام دفعتهم غيرتهم و حميتهم المجردة و الانتصار (للمظلوم) فطالبوا معاوية بذلك. و كأنما هو لم يرد ذلك و أنه أجبر عليه من قبل الأمة و لن يفعل سوي أن استجاب لارادتها.

ان (مكر) معاوية هنا يتجلي بأبرز صورة و أدقها، فهو لم يكن يرغب أن يبدو الأمر و كأنه رغبة شخصية منه، قد يؤاخذ عليها فيما بعد اذا لم ينجح، فوضع حظا للرجوع اذا ما فشلت خطته، كما أراد أن يري أهل الشام أنه انما يستجيب لهم لشدة حبه لهم، و أنه ان نهض في النهاية، فان عليهم أن يطيعوه طاعة تامة دون تردد. فهو يستجيب لطلبهم...! و عليهم أن يستجيبوا لأوامره و قيادته.

كان هذا - و هو رغبة أهل الشام في الأخذ بثأر عثمان - ما كان معاوية يؤكده دائما، ففي احدي رسائله الي الامام عليه السلام، كتب يقول (و قد أبي أهل الشام الا قتالك حتي تدفع اليهم قتلة عثمان) [1] .

و أي شهادة أكبر من شهادة عمرو بن العاص لأهل الشام بأنهم علي الحق..؟! ليس أكبر منها سوي شهادة معاوية لهم، و وصفه اياهم بأنهم الفئة المحقة التي ينصر بها الله الدين و أنهم خير جند و أطوعه، و أنهم الفئة المنصورة. (ان الله أكرم هذا الأمر بأهل الشام الذابين عن بيضته، التاركين لمحارمه) [2] !.


لقد أراد ايهامهم بأن أمر الدين و قوامه يعتمد عليهم و أنهم ان ساربهم هو لكان و اياهم ان المحجة البيضاء و الطريق الواضح، و أراد بذلك أن يسخرهم لأغراضه، و قد نجح في ذلك الي حد بعيد.


پاورقي

[1] العقد الفريد / 76 - 5.

[2] مروج الذهب 50.