بازگشت

عندما يموت الطغاة


و ما أحسن قول ابن الزبير الأسدي فيه:



(لم تر أن الدهر أخنت صروفه

علي عمرو السهمي تجبي له مصر



و لم يغن عنه حزمه و احتياله

و لا جمعه لما أتيح له الدهر



و أمسي مقيما بالعراء و ضللت

مكايده عنه و أمواله الدثر) [1] .



ندم حيث لا ينفع الندم، و اعتذر حيث لا يفيد الاعتذار، و لكنه ندم و اعتذار مما يعتبر به علي أي حال. لقد قالا الحق عن نفسيهما. و لكن متي؟ حينما أو شكت آخر أنفاسهما أن تنقضي و لم يعد لهما دور يلعبانه في هذه الحياة. و قد شهدا علي أنفسهما أمام الله و أمان الناس، و بقيت الشهادة الأخري في الدار الآخرة يشهدانها علي نفسيهما أمام الله، و هل يملكان الا أن يقولا الحق...

و من العجيب أن العديدين من مؤرخينا و كتابنا يغضون النظر عن أمثال هذه (الهنات) كما يغضون النظر عن جل هناتهما و زلاتهما! و هي أكثر من أن تحصي، و لا يريدون الا سماع من يقول فيهما خيرا. أما في غيرهما فليقل ما يشاء، و ان قال فيهما خيرا فمن أين سيأتي بذلك اللهم الا أن يكون كاذبا، و لم نعدم في كتاب الله و له الأموية و مثيلاتها، و علمائهم و فقهائهم و قصاصيهم من ينسب اليهم الفضل كل الفضل و ينزعه عن غيرهم ما دام في هذا مصلحة له، و ما دام جيبه يمتلي ء من أموال الخلفاء الكرماء، فقد (ظهرت أحاديثهم الكاذبة و نشأ عليها الصبيان يتعلمون ذلك. و كان أشد الناس في ذلك شعراء المراؤون و المتصنعون الذين يظهرون الخشوع و الورع، فكذبوا و انتحلوا الأحاديث و ولدوها، فيخطون بذلك عند الولاة و القضاة و يدنون مجالسهم و يصيبون بذلك الأموال و القطايع و المنازل حتي صارت أحاديثهم و رواياتهم عندهم حقا و صدقا. فرووها و قبلوها و تعلموها و علموها و أحبوا عليها و أبغضوا من ردها أوشك فيها فاجتمعت علي ذلك جماعتهم و صارت في يد المتنسكين و المتدينين منهم لا يستحلون الانتقال لمثلها فقبلوها و هم يرون أنها حق، و لو علموا بطلانها و تيقنوا أنها مفتعلة لأعرضوا عن روايتها و لم يدينوا بها و لم يبغضوا من خالفها فصار الحق في ذلك الزمان عندهم باطلا و الباطل حقا و الكذب صدقا و الصدق كذبا) [2] .


و لسنا بمعرض المقارنة بينهما و بين الامام عليه السلام، فهذا أمر لا يمكن اجراؤه بالمقاييس العادية، و لن يتاح لامري ء ذلك الا اذ أتيحت له فرصة المقارنة بين ابليس و أحد الملائكة الكرام، فلا مجال للمقارنة اذا، و أنه لتجن علي الامام عليه السلام اذا ما رحنا نقرنه بهذه المناذج الممسوخة، و قد كان ذلك من أكثر الأمور التي تمضه و تؤلمه عليه السلام حقا، فقد ورد بكتاب الي معاوية: (فيا عجبا للدهر اذ صرت يقرن بي من لم يسمع بقدمي، و لم تكن له كسابقتي الي لا يدلي أحد بمثلها، الا أن يدعي مدع ما لا أعرفه و لا أظن الله يعرفه) [3] .


پاورقي

[1] مروج الذهب ص 29.

[2] شجرة طوبي 89.

[3] نهج‏ البلاغة 525.