لا يتذكرون الموت إلا ساعة الاحتضار
فهذا معاوية يحتضر، و قد اقترب أجله، و يبدو الآن في حيرة و هم شديد لما يحتمل أن يلاقيه بعد الموت - فهو ليس في يقين ثابت من ذلك طيلة حياته و حتي ربما في هذه اللحظات التي أو شكت أن تنهي تلك الحياة، انه يتذكر جرأته علي اقتحام الذنوب و المعاصي و كل دروب الباطل، و هنا يوصي (أن يرد نصف ماله الي بيت المال) [1] فلعل في ذلك مخرجا من هذه المحنة التي لم يكن يتوقعها طيلة حياته، و كأن في التخلي عن نصف أمواله حسما لخلافه مع شريعة الله (و لما اشتد مرضه أخذت ابنته رملة رأسه في حجرها و جعلت تقلبه. فقال: انك تقلبين حولا قلبا، جمع المال من شب الي دب فليته لا يدخل النار؟) [2] .
و لما احتضر تمثل:
ان تناقش يكن نقاشك يا رب
عذابا لا طوق لي بالعذاب
أو تجاوز فأنت رب صفوح
عن مسي ء ذنوبه كالتراب) [3] .
(و تمثل - عند احتضاره:
هو الموت لا منجي من الموت و الذي
تحاذر بعد الموت أدهي و أفظع...
ثم قال: اللهم أقل العثرة، واعف عن الزلة، وجد بحلمك علي جهل من لم يرج غيرك و لا يثق الا بك، فانك واسع المغفرة، و ليس لذي خطيئة مهرب و لما أزف أمره وحان فراقة اشتدت علته و أيسس من برئه أنشأ يقول:
فيا ليتني لم أعن في الملك ساعة
و لم أك في اللذات أعشي النواظر
و كنت كذي طمرين عاش ببلغة
من الدهر حتي زار أهل المقابر) [4] .
و قال: (يا ليتني كنت رجلا من قريش بذي طوي، و لم أل من هذا الأمر شيئا) [5] (و لم احتضر معاوية جعل أهله يقلبونه فقال لهم: أي شيخ تقلبون؟ ان نجاه الله من عذاب النار غدا) [6] .
پاورقي
[1] الکامل في التاريخ 370 - 3 و ابن کثير 144 - 8.
[2] الکامل في التاريخ 370.
[3] الکامل 370 و البداية و النهاية 145.
[4] مروج الذهب / 63.
[5] البداية و النهاية 145.
[6] البداية و النهاية 145.