بازگشت

توسيع تجرية الشام تمهيد لتجريد الأمة من مسؤولياتها


ان معاوية عمل علي أن تكون كل أقطار الاسلام كالشام، و أن يكون كل المسلمين كأهل الشام. لقد استجاب الشاميون بسهولة استجابة تامة له، و أصبحوا يفهمون الاسلام و يرونه من خلال المنظار الذي وضعه علي عيونهم. انهم نتاج تربيته و نتاج عمله الدؤوب المنظم الذي استمر سنوات طويلة و منذ بداية دخولهم الاسلام، مسخرا في سبيل ذلك امكانات هائلة كما سبق أن أوضحنا و أرادهم أن يكونوا (مركز اسقاع) لأفكاره و قيمه يصدره عن طريقهم الي الأمصار الأخري لتكون بدورها علي النمط الشامي (المثالي) الذي رآه معاوية صالحا منسجما مع الحكم الذي أراد بسطه باسم الاسلام.

و طبيعي أن يختار معاوية و كلاءه و عماله و حاشيته و قواد جيوشه و فلاسفته و فقهاءه!.، من أولئك الذين يتبنون فلسفته المصلحية الذرائعية و نظراته و سياساته. و لو استعرضناهم استعراضا بسيطا لرأينا أنهم كذلك بالفعل.

و لو أنهم كانوا مجرد متلقين عن معاوية و مطبقين لسياساته و حسب لهان الأمر، و لكن المصيبة أنهم (مبدعون) مثله، و يكادون يتسابقون معه في فنون (الدهاء) و السياسة و المكر. و قد أثر وجودهم علي رأس السلطة أعوانا لمعاوية و ولاة له و عمالا علي مسيرة المجتمع الاسلامي، و حرفه سلبا و ابعاده عن طبيعة المسيرة الاسلامية الصحيحة. و قد كانوا (أعلاما) في فنهم، يعرفهم الجميع و يرمقونهم و يلاحظونهم و (يقتدون) بهم.

انهم شكلوا أكبر (نقاط الضعف) التي أخذت علي الاسلام نفسه في عهدهم و العهود التالية أيضا باعتبار أنهم الممثلون لسلطته الشرعية و المنفذون لأحكامه و القيمون عليه.


و بدا الأمر للمجتمع المسلم كالتمثيلية الهزلية، عندما تربع علي مركز القيادة من لم يكن مؤهلا حتي للانساب لهذا الدين العظيم، و بدا (القادة) علي مسرح الحكم كالصور الكاريكاتيرية المضحكة، عندما تربعوا علي جوانبه، و تقاسموا المغانم، و أجلسوا جلسة حميمة، مقتربين من بعضهم، مبتسمين، بل و مقهقهين بوجه المجتمع الاسلامي المقهور المغلوب، حاسرين عن وجوههم الأقنعة و الأستار التي حجبوا بها تلك الوجوه، و أعلنوا مرات عديدة بوقاحة و صراحة متحدية خروجهم السافر عن الاسلام نفسه و تعاليمه و قيمه. و كانت قهقهاتهم و غمزاتهم لبعضهم تدل علي استهتارهم التام بكل قيم الدين. و قد طالعتنا كتب الأدب و التاريخ بصور من الجلسات الحميمة بين معاوية و عمرو بن العاص و التي كانا يتبادلان فيها الطعون الخفية، و الغمزات و (القفشات) و التلميحات، و كأنهما ليسا مسؤولين عن مصائر الملايين من أبناء هذه الأمة المظلومة المبتلاة.