بازگشت

بدع أصبحت سننا في دول الظلم


لقد افتتح معاوية عهده - و ربما قبل أن يستولي علي قيادة المسلمين - بعشرات من الخروقات الفاضحة و الابتكارات (الجديدة) و البدع التي خالف بها الاسلام صراحة، و كان بذلك أول خارج عن الاسلام خروجا معلنا غير مبطن أو مبرر مع أنه كان في موقع قيادة الأمة و (خلافة) المسلمين.

فقد كان معاوية

(أول من بايع لولده في الاسلام في حياته) [1] .

(و أول من عهد بها في صحبته).

(و أول من وضع شرف العطاء الفين) [2] .

(و أول من خطب جالسا و أول من جلس بين الخطبتين) [3] .

(و أول من عمل المقصورة في المساجد) [4] .

(و كان استلحاقه (زيادا) أول ما ردت به أحكام الشريعة علانية: فان رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم قضي بالولد للفراش و للعاهر بالحجر) [5] .


(و كان أول من اتخذ الحرس) [6] .

(و أول من اتخذه[السرير]في الاسلام معاوية) [7] .

(و أول من ورث المسلم من الكافر معاوية، و قضي بذلك بنو أمية بعده حتي كان عمر بن عبدالعزيز فراجع السنة، و أعاد هشام ما قضي به معاوية و بنو أمية من بعده. و به قال الزهري: و قضت السنة أن دية المعاهد كدية المسلم و كان معاوية أول من قصرها الي النصف و أخذ النصف لنفسه) [8] .

(و أول من أحدث الخطبة قبل الصلاة في العيد معاوية) [9] .

(و أول من أحدث الأذان في العيد معاوية) [10] .

(و أول من نقص التكبير معاوية) [11] .

(و أول من اتخذ الخصيان لخاص خدمته) [12] .

(و أول من عبثت به رعيته) [13] .

(و أول من استحلف في البيعة.. استحلفهم بالله، فلما كان عبدالملك بن مروان استحلفهم بالطلاق و العناق) [14] .

و هو أول من اتخذ كاتبا و صاحبا للأمر من النصاري (و كان كاتبه و صاحب أمره سرجون بن منصور الرومي) [15] .

و قد تبدو بعض مظاهر الحياة في بلاط معاوية غير مقبولة لدي جماهير واسعة من الأمة الاسلامية حتي قبل أن يكون معاوية (خليفة)، الا أنه بررها باعتبار أنها رد فعل (ايجابي) علي مظاهر الحياة الرومانية الفخمة في البلاط الروماني التي كانت قريبة من (العرش الأموي)، و أنه لابد للوالي الأموي ثم (الخليفة) بعد ذلك أن يتظاهر بالفخامة و يحيط نفسه بالحرس و يقيم في القصور، و يتناول أطيب المأكولات ليبرز (لأعدائه) بعض مظاهر القوة الاسلامية! هكذا برر معاوية تصرفاته لعمر عندما حاول


محاسبته علي ذلك، مع أنه لم يبد استعداده للتخلي عن مظاهر الفخامة تلك [16] كما رأينا في غضون هذا الفصل. فكيف به عندما لم يجد من يحاسبه و وجد نفسه (متملكا) و مسيطرا علي كل مقدرات الأمة و ثرواتها؟.

و ربما بدا الأمر و كأنه يمكن قبوله اذا لم يتعد اتخاذ الحرص و الحجاب أو الظهور بالمواكب الفادحة. أما حين يتعداه الي القيام بتجاوزات خطيرة كبعض تلك التي ذكرها المؤرخون و ذكرنا قسما منها مثل استلحاق زياد بن أبيه و منح مصر طعمة لعمرو بن العاص و القتل و العطاء الكيفي و التمهيد لقتل ابن عمه عثمان ثم المطالبة بدمه تمهيدا للحصول علي كرسيه، و المبايعة مسبقا لابنه العاطل عن كل المؤهلات المطلوبة ليكون مجرد فرد سوي في الدولة الاسلامية لا رأسا لهذه الدولة. فان الأمر اذا تعدي الي تجاوزات من هذا النوع و اضرابها و هي كثيرة لو أريد تقصيها لاستنفذت بحوثا بأكملها فأي اسلام يمكن أن نقول ان معاوية كان يحمله و يحكم بموجبه؟.

فهل بلغت تعاليم الاسلام من الغموض و التعقيد أن معاوية لم يجد فيا ضالته و الابتعاد عنها فيما بعد. و هل استنفذ الاسلام طاقاته ليبتعد عنه معاوية بهذا الشكل ويري أنه غير صالح للحكم؟ أم أن معاوية كان بعيدا عن الاسلام منذ البداية و ظل بعيدا عنه دائما؟.

ثم: أي مجتمع هذا الذي قد أصبح يتقبل هذه التجاوزات الفاضحة علي الاسلام من (الخليفة) و حاشيته و ولاته و أقاربه و جنده و لا يثور أو يتحرك أو يمد يدا أو لسانا..؟.

و ليت الأمر اقتصر علي مجتمع الشام وحده، و هو مركز الدولة الاسلامية، لكنه قد امتد ليشمل كل المجتمعات الاسلامية في كل حواضر الاسلام، و ان لم يكن بالدرجة التي كان عليها في المجتمع الشامي. باعتبار أن هذا المجتمع قد تلقي الرسالة بشكل متأخر و كان اختلاطه القليل لشعب الجزيرة و قربه و تأثره ببعض المجتمعات الجاهلية الفرعونية الأخري، و قيام معاوية، منذ بداية دخول هذا المجتمع الي الاسلام تقريبا، رأسا علي قمته منذ أن عين واليا عليه بعد وفاة أخيه يزيد في عهد أبي بكر


و استمراره في عهد عمر و عثمان.. هذه الأمور مجتمعة أدت تأخر أهل الشام عن المسيرة الاسلامية الصحيحة و عدم مواكبتها بشكل سليم، و من هنا كان خوف معاوية من بقاء أهل الشام مع أهل البلدان الأخري حتي لا يتأثروا بهم كما رأينا ذلك في توصياته ليزيد قبيل وفاته. و قد وجد معاوية في مجتمع الشام تربة خصبة ينشر فيها أفكاره و مبادئه و سياساته، فهو (مؤهل) لتقبل كل ما يلقيه اليه من نفايات علي أنها سياسات عليا و تطلعات سامية وقيم اسلامية نبيلة!.


پاورقي

[1] ابن ‏الأثير 374 - و تاريخ الخلفاء 183 و العقد الفريد 112 - 5.

[2] ابن ‏الأثير 374 - و تاريخ الخلفاء 183 و العقد الفريد 112 - 5.

[3] ابن ‏الأثير 374 - و تاريخ الخلفاء 183 و العقد الفريد 112 - 5.

[4] ابن ‏الأثير 374 - و تاريخ الخلفاء 183 و العقد الفريد 112 - 5.

[5] الکامل في التاريخ 372 - 301 و العقد الفريد 111 - 5.

[6] المصدر نفسه.

[7] مقدمة ابن‏خلدون 287.

[8] ابن ‏کثير 127 - 8.

[9] تاريخ الخلفاء 187.

[10] تاريخ الخلفاء 187.

[11] تاريخ الخلفاء 187.

[12] تاريخ الخلفاء 187.

[13] تاريخ الخلفاء 187.

[14] تاريخ الخلفاء 187.

[15] الطبري 264 - 3.

[16] و قد روي (أن معاوية قدم علي عمر بن الخطاب من الشام و هو أبض الناس فضرب عمر بيده علي عضده فأقلع عن الشراب أو مثل الشراک فقال: هذا و الله لتشاغلک و بالحمامات و ذوو الحاجات تقطع أنفسهم حسرات علي بابک) الکامل في الأدب 71 / 1.