بازگشت

كسب ودهم لكي ينفذوا مخططاته الشيطانية


ان معاوية لم يكن بالمرء الهين الذي يتنازل بسهولة عن ملك طويل عريض بمجرد تذكيره بمبادي ء الاسلام و قيمه، و قد عمد بوقت واحد الي جملة من الأساليب المخادعة المضللة كان في مقدمتها تبني قضية مقتل عثمان و المطالبة بدمه و تحميل الامام مسؤولية السكوت عنه ثم التحريض عليه ثم الايحاء لأهل الشام بأنهم الفئة المنصورة التي ستأخذ علي عاتقها الانتقام (لامام الأمة المظلوم) علي حد تعبيره، و استخلاصهم لنفسه و اغداق الأموال عليهم، و استمالة بعض رؤساء القبائل (و الأشراف) ممن كانوا محسوبين في الظاهر من أتباع الامام عليه السلام و محاولة الايقاع بين البقية منهم و محاولته الماكرة لرفع المصاحف قبيل مهزلة التحكيم التي اجبر عليها الامام عليه السلام من قبل الفئات المنافقة و الجاهلة و المشتراة بأموال معاوية و التي كانت ضمن جيش الامام... و حملاته الارهابية علي أطراف العراق و الحجاز بقيادة بسر بن أرطأة و غيره لقتل كل من عرف عنه موالاة الامام و أهل بيته... و قد تشعبت أساليب معاوية و طرقه، و عمد الي رصد الأموال الطائلة التي كانت بين يديه لتنفيذ مخططاته.

و مع أن الامام عليه السلام لم يعمد الي ما عمد اليه معاوية من أساليب لا تمت الي الاسلام بصلة، الا أنه بذل جهودا مضنية لكشف أقنعة الزيف التي تقنع بها و حاول جاهدا تخليص من جرهم الي ضلاله و غواياته مدركا أنه يتمتع بامكانات شيطانية هائلة جعلته عليه السلام يصرح دون تحفظ أن معاوية هو الشيطان الذي تسلح بكل قوي الشر التي تجيش بين جوانحه... و قد رأينا كيف أن البعض أراد الامام أن يلجأ الي المساومة (و هو أحد أساليب معاوية نفسه)، الا أنه رفض ذلك مطلقا، عازما علي رفع الاسلام و قيمه سلاحا وحيدا أمام قوة الشر التي هبت مع هذا العدو المقنع، فكان في مقدمة مهام الامام كشف شخصية معاوية و دحض مفترياته بشأن أهل الشام الذين التحقوا بركب الاسلام مؤخرا، و لم تكن لهم به معرفة الأنصار و المهاجرين الأوائل من أهل الجزيرة.

كانت مهمة كشف معاوية و تعريته و بيان نواياه و أساليبه تتزامن مع المهام الكبيرة التي قام بها الامام عليه السلام لانتشال الأمة من الضياع وردها الي حضيرة الاسلام


و تحصينها ضد الاغراءات التي يلوح بها عدوها. لقد كان عليه السلام يدرك أن هذا العدو بلاء مبرم، و أنه ليس بالمرء الهين و البسيط أو الواضح الذي يمكن مناقشته وردعه و انما كان انسانا ملتويا، بل شيطانا تلبس بصورة انسان، و كان يدرك أن المعركة معه ستكون شاقة بعد الملابسات و الظروف التي أدت الي خروج الكثيرين عليه بدافع حرصهم علي مصالحهم و فهمهم الخاطي ء للاسلام.

و لقد وجدناه عليه السلام يتألم أشد الألم من هذا العدو الماكر الذي يعبث بالأمة و مقدراتها خصوصا و أنه يجد أن هناك من لا يتحرج من المقارنة بينه هو عليه السلام و بين هذا العدو الخبيث كما بينا من قبل.