بازگشت

!الطائفة المنصورة! الحكام علي الناس! الذابين عن بيضته التاركين لمحارمه


و قد حاول معاوية اظهار أهل الشام - في جملة من أحاديثه و خطبه و رسائله - علي أنهم الصفوة المختارة من المسلمين، و أنهم مبعث فخر رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم و اعتزازه، و أنهم من كان صلي الله عليه وآله وسلم يعتمد عليهم لتعزيز الدين و نشره... و حاول نشر الأحاديث الموضوعة و الملفقة بشأنه بينهم مدركا أن هذه (الأحاديث) المكذوبة تقابل بالازدراء و السخرية من بقية أبناء الأمة في بقية الأمصار.

كان معاوية يريد مجتمعا منحازا اليه بشكل تام، و لم يكن يجد مثل مجتمع الشام ليجعله يقوم بمهمة حمايته و حماية الأفكار المظللة التي كان يخرج بها علي الأمة المغلوبة المقهورة.. و كان يريد تشكيل نخبة أو صفوة خاصة به، و ان تكن هذه النخبة تتسع عدديا لتشمل أحد الشعوب الاسلامية برمته، مستغلا قلة وعي هذا الشعب و قلة معرفته بالاسلام لتمرير مخططاته عليه بل و جعله يتبناها و كأنها من بنات أفكاره. و قد تعامل معه في ظل خلافة عمر و عثمان (بتسامح) محاولا استمالته مهما كان الثمن.. حتي أنه روي لهم (عن طريق محدثيه و وعاظه) علي لسان رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم أنه قال فيهم «و ان أهل الشام هم الطائفة المنصورة علي من خالفها»... و هذا مما كا يحتج به معاوية لأهل الشام في قتالهم أهل العراق.) [1] .

و كان بعرضه صورة مشرقة له يزينها بأحاديث ملفقة بشأنه عن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم و صور (مشوهة) لأعدائه و في مقدمتهم أميرالمؤمنين عليه السلام، و أخري بشأن أهل الشام أنفسهم، تجعله يذهب معهم الي حد التمادي بالتصريح العلني أمامهم بأنه ملك و ليس خليفة، و كان يروي لهم قائلا: (أنا أول الملوك و آخر خليفة) [2] .

و قد جعل محدثيه يلفقون حديثا، يجعلون منه سنة فقالوا (و السنة أن يقال لمعاوية ملك و لا يقال له خليفة لحديث «سفينة الخلافة بعدي ثلاثون سنة، ثم تكون


ملكا عضوضا») [3] .. فكأن الأمر هنا أمر واقع معاش أخبر به رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، و لا يمكن تغييره. اذا ما حاجة أهل الشام الي خليفة مقيد و بينهم هذا الملك المطلق الذي أثبت (كفاءته) و (جدارته) و انحيازه المطلق اليهم، و تبنيهم كأعزة أخلاء.. و لم يتحرجوا من وضع قصص ملفقة تصف لهم حكم معاوية بعد استبداده بالحكم كتب الي علي عليه السلام معظما من شأنهم رسالة مظللة توحي للأمة و لأهل الشام خاصة، و كأنه (أي معاوية) لا يعمل الا بارادتهم و مشيئهم، و كأنه ليس الموجه و المسيطر الحقيقي عليهم (و قد أبي أهل الشام الا قتالك حتي تدفع اليهم قتلة عثمان...، و انما كان الحجازيون هم الحكام علي الناس و الحق فيهم، فلما فارقوه كان الحكام علي الناس أهل الشام، و لعمري ما حجتك علي أهل الشام كحجتك علي أهل البصرة، لأن أهل البصرة أطاعوك و لم يطعك أهل الشام.) [4] .

و عندما أراد أهل المدينة لمبايعة يزيد فانه كتب الي مروان بن الحكم عامله عليها (أن أدع أهل المدينة الي بيعة يزيد، فان أهل الشام و العراق قد بايعوا) [5] فكأن بيعة أهل الشام ليزيد اشارة اذن لبقية المسلمين لكي يبايعوه بدورهم. أما اشارته الي أهل العراق، فباعتبارهم أصعب فئة يكن أن تستمال، و مع ذلك فقد بايعت و قضي الأمر و لم يبق علي الجميع الا أن يحذوا حذوهم.

و كانت تصريحاته بشأن أهل الشام ملفتة للنظر حقا (ان الله أكرم هذا الأمر بأهل الشام الذابين عن بيضته التاركين لمحارمه، و لم يكونوا كأمثال أهل العراق المنتهكين لمحارم الله و المحلين ما حرم الله و المحرمين ما أحل الله.) [6] .

و قوله فيهم (و قد كنت في أصلح جند و أطوعه) [7] يؤكد بخاصة في مهمته لحرف هذه الشريحة الكبيرة من المسلمين عن دينها و تضليلها و تربيتها علي قيم الدين الأموي الهجين.


و حتي عندما كلف عمرو بن العاص بمهمة التحكيم، أراد ايهامه، بل ايهام أهل الشام أنفسهم أنه انما كان يفعل ذلك و يكلفه بعد أن عرف رأي أهل الشام فيه و رغبتهم في أن يمثل معاوية (و أنا و أهل الشام راضون بك.) [8] .

و كتب الي أميرالمؤمنين في ختام رسالته التي ذكرناها في الهامش [9] أبيات كعب بن جعيل التي يعلن فيها انحياز أهل الشام الأعمي لمعاوية، و جعله يبدو و كأنه رد فعل علي (انحياز) أهل العراق لأميرالمؤمنين، و لعله أراد المسألة أن تبدو هنا كمجرد صراع بين أهل العراق و أهل الشام لا غير.



أري الشام تكره ملك العراق

و أهل العراق لهم كارهينا



و كلا لصاحبه مبغضا

يري كل ما كان من ذاك دينا



اذا ما رمونا رميناهم

ودناهم مثل ما يقرضونا



فقالوا: علي امام لنا

فقلنا رضينا ابن هند رضينا



و قالوا نري أن تدينوا له

فقلنا الا لا نري أن ندينا



و من دون ذلك خرط القتاد

و ضرب و طعن يقر العيونا [10] .




پاورقي

[1] البداية و النهاية ج 8 ص 129.

[2] المصدر السابق 8 ص 137.

[3] نفس المصدر ص 138.

[4] العقد الفريد 76 - 5 و الکامل للمبرد 222 - 1.

[5] المصدر السابق 112.

[6] مروج الذهب ص 50.

[7] الکامل في التاريخ 355 و في البيان و التبيين 115 - 2 (و کنت في أطوع جند و أقله خلافا..).

[8] البيان و التبيين 172 - 1.

[9] راجع هامش 4 في الصفحة السابقة.

[10] الکامل للمبرد - 223 - 222 - 1.