بازگشت

المكر، ثم المكرأطير اذا وقعتم، وأقع اذا طرتم


فمعاوية هنا لا يستبعد أسلوب الشدة و الفظاظة و الغلظة عن حكمه، ولكنه لم يرد أن يعرف الناس أن ذلك هو أسلوبه الخالص، فأراد رمي هذه (المنقصة) علي اتباعه الأذلاء مثل زياد و أشباهه، و أراد أن يظهر أمام ألامة بمظهر المتباهي (بحكمته) و (دهائه) و بعد نظره (و شعرته) التي لا تنقطع، و ربما أراد من وراء ذلك أن يوحي بقوة موهومة يتمتع بها اضافة لقوة الثروة المحتكرة و السلاح. و لعل في التلويح بذلك تهديد غير مباشر للأمة. و أنها أضعف منه ورهن قبضته بما يملكه من مؤهلات استثنائية.

روي عنه أنه قال لجماعة من قريش: (ألا أخبركم عني و عنكم؟ قالوا: بلي. قال:... فأطير اذا وقعتم، و أقع اذا طرتم. و لم وافق طيراني طيرانكم سقطنا جميعا) [1] و روي عنه قوله: (لو أن بيني و بين الناس شعرة، ما انقطعت أبدا. قيل له: و كيف ذلك؟ قال: كنت اذا مدوها أرخيتها، و اذا أرخوها مددتها.) [2] و هكذا رووا أساطير و حكايات عن شخصية معاوية القوية التي لا تضاهيها شخضية أخري.. فكأن هذه الحملة للتأكيد علي هذه القوة الأسطورية يراد منها قهر كل نزعة مناوئة لدولته و حكومته.. و نلمح العشرات من هذه القصص العجيبة بين دفات مختلف الكتب التي سجلت أخبار العرب و تاريخهم و حوادثهم و أدبهم.

روي عن هند بنت عتبة، أم معاوية، حين أتاها ناعي يزيد بن أبي سفيان (فقال لها بعض المعزين: أنا لنرجو أن يكون في معاوية خلف من يزيد، فقالت هند: «و مثل معاوية لا يكون خلفا من أحد، فوالله أن لو جمعت العرب من أقطار ثم رمي به فيها، لخرج من أي أغراضها شاء) [3] .

(و فخر سليم مولي زياد، بزياد عند معاوية، فقال معاوية: اسكت، فوالله ما أدرك صاحبك شيئا بسيفه، الا و قد أدركت أكثر منه بلساني.) [4] و روي عنه قوله: (أنا


ابن هند، ان أطلقت عقال الحرب، أكلت ذروة السنام، و شربت عنفوان الكرع، و ليس للآكل الا الفلذة، و لا للشارب الا الرنق) [5] .

و قد رويت بهذا الخصوص كلمة طريفة لعمرو بن العاص عن معاوية. قال عمرو: (ما رأيت معاوية قط متكئأ علي يساره، واضعا احدي رجليه علي الأخري، كاسرا احدي عينيه، يقول للذي يكلمه: يا هناه، ألا رحمت الذي يكلمه) [6] .

كان معاوية يبدو معنيا بأن يبدو بمظهر الحليم الذي لا يهزه قول أو فعل سفيه أو جاهل، و قد أدرك الامام الحسن عليه السلام غرضه عندما صرح معاوية قائلا: (اذا لم يكن الهاشمي جوادا لم يشبه قومه، و اذا لم يكن المخزومي تياها لم يشبه قومه، و اذا لم يكن الاموي حليما لم يشبه قومه، فبلغ قوله الحسن بن علي رضي الله تعالي عنهما فقال: ما أحسن ما نظر لنفسه! أراد أن تجود بنو هاشم بأموالها فتفتقر الي ما في يديه، و تزهي بنو مخزوم علي الناس فتبغض و تشنأ، و تحلم بنو أمية فتحب) [7] .

و قد أدرك شريك النخعي القاضي سر هذا الحلم المفتعل عند معاوية، فعندما قيل له: (كان معاوية حليما. قال: لو كان حليما ما سفه الحق، و لا قاتل عليا، و لو كان حليما ما حمل أبناء العبيد علي حرمه، و لما أنكح الا الأكفاء) [8] .


پاورقي

[1] المصدر السابق ص 106.

[2] المصدر السابق ص 106.

[3] الجاحظ - البيان و التبيين - مکتبة الرياض - دار الفکر ج 1 ص 56 تحقيق عبد السلام محمد هارون.

[4] المصدر السابق 259 - 1.

[5] نفس المصدر 92 - 2.

[6] نفس المصدر 303 202 - 2.

[7] نفس المصدر 61 - 4.

[8] نفس المصدر 258 - 3.