بازگشت

فرعون متطور


لم يعلن نفسه ربا أعلي، مع أنه عامل الناس علي هذا الأساس

و حينما توفي الامام و آل الأمر الي معاوية بعد صلح الحسن عليه السلام، فان الجو المحيط بالعرش الأموي لم يكن يسمح بالتفكير أن هناك من يمكن أن ينافس معاوية أو ينازعه بأي شكل من الأشكال. أصبح الآن السيد المطلق الذي لا يضاهي و لا يجاري و لا يرقي اليه، و بدأت في تلك الفترة مرحلة الانتقال الي الفرعونية و السيادة غير المقيدة أو المسؤولة.

و مع أنه لم يعلن، كما أعلن سلفه، فرعون موسي، أنه هو الرب الأعلي، و لم يطالب الناس أن تتوجه الي شخصه بالعبادة، الا أنه أرسي قاعدة الحكم المطلق المستبد الذي لم يلجأ الي الاسلام الا لتبرير ما يقوم به من تعزيز مركزه، و ايقاع


مناوئيه و معارضيه و العمل وفق ما يراه هو مناسبا و تطويع الاسلام ليتلاءم مع أعماله و رغباته.. فتلك النظرة الفرعونية (التقليدية) الأولي التي تدعو بشكل مباشر لعبادة فرعون و في مجتمعات لم تكن تمتلك الوعي الذي تمتلكه الآن (في عهد معاوية) ربما أدت الي مضاعفات ضارة اذا ما تبنيت بحذافيرها.. و لعل فرعون كان يبدو سخيفا و مضحكا بنظر معاوية، اذ ما حاجته الي أن يعبده الناس كآله، مع أنه كان متسلطا عليهم بالفعل.. و لو أن نظرة فرعون عدلت و بدلت، و أظهر (الخليفة) نفسه خادما للشريعة و حارسا عليها. فانه بذلك يجتنب الصدام المباشر و المواجهة الصريحة مع أحكام الشريعة، ويتيح له موقفه ذاك الظهور بمظهر آخر و من التحايل و المداورة و المحاورة حتي اذا كانت نواياه واضحة أمام الأمة. و هكذا نري الكثيرين من زعماء العالم الاسلامي اليوم، يبدون بنفس المظهر الوديع اللين الذي بدا به معاوية فيدعون أنهم خدم للشعب مع أنهم جلادوه و ظلمته و سارقوه... و يعمدون الي ما عمد اليه من أداء علني للشعائر و الطقوس الدينية في المساجد و يعرضون أنفسهم بشكل أوسع علي شاشات التلفزيون و كأنهم بذلك يقولون للأمة: حسبك ما ترين منا من خشوع و خضوع مظهري، أما ما عدا ذلك فلا حق لك بمناقشته و محاسبتنا عليه.

ان معاوية يدرك أن ذلك الأسلوب التقليدي المباشر للظلم الذي كان يمارسه فرعون و اتباعه أصبح أسلوبا كلاسيكيا قديما لا تهضمه كل معدة، و أضحي أسلوبا مكشوفا يمكن الوقوف بوجهه و التصدي له، و ان عليه (أي معاوية)، أن يستفيد من كل التجارب البشرية في السياسة و الحكم (و كلها تجارب جاهلية لا تمت الي الاسلام بصلة لا من قريب و لا من بعيد..)!.

فقد روي عن زياد بن أبيه قوله: «ما غلبني أميرالمؤمنين معاوية قط الا في أمر واحد. طلبت رجلا من عمالي كسر علي الخراج، فلجأ اليه، فكتبت اليه أن هذا فساد عملي و عملك، فكتب لي، أنه لا ينبغي لنا أن نسوس الناس سياسة واحدة، لا نلين جميعا فيمرح الناس في المعصية، و لا نشتد جميعا فنحمل الناس علي المالك. ولكن تكون أنت للشدة و الفظاظة و الغلظة و أكون أنا للرأفة و الرحمة.) [1] .



پاورقي

[1] العقد الفريد 106 - 5.