بازگشت

هل جاء الرسول ليبشر بمعاوية


لقد بدت الأحاديث التي وضعت و رويت عن الرسول صلي الله عليه وآله وسلم، بشأن معاوية و كأنها ترينا أن المهمة الرئيسية من بعثه صلي الله عليه وآله وسلم الي الناس كافة، هي التبشير بمعاوية و انذار الناس عاقبة مخالفته.! فمعاوية كما روي عنه صلي الله عليه وآله وسلم، بدا في الأحاديث الموضوعة في خلافته نفسه (و التي ذكرنا قسما منها في الفصل الثاني)، أمين الله علي كتابه و وحيه، و ان جبرائيل الذي أشار علي الرسول صلي الله عليه وآله وسلم لاستكتابه و أنه صلي الله عليه وآله وسلم بشره بالخلافة و دعا الله أن يعلمه الكتاب و الحساب ويقه العذاب و يمكنه في البلاد و يجعله هاديا مهديا، و يهده و يهدي به، و أنه مغفور له و أنه يعادل جبرائيل و محمد في الأمانة، و هو نظير اللوح و القلم و اسرافيل و ميكائيل... و يدل علي ذلك أن الخلفاء و قروه من قبل، و أنه لم يتنازل فيقبل الخلافة الا عندما سمع قول رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: ان ملكت فأحسن.. الخ.

و كما قلنا، فان هذه الأحاديث الموضوعة و الملفقة، التي كانت بالتأكيد رد فعل علي الأحاديث و الآيات الواردة في فضل أميرالمؤمنين عليه السلام و المؤكدة بشكل لا يقبل التباس عن طرق صحيحة لا اختلاف عليها و مصادر موثوقة لدي كل الأمة، هذه الأحاديث الملفقة اذا ما أضيفت اليها هالة الشرف القرشي العالي و النسب الرفيع كانت تمهد الأمر لمعاوية لاستلام (الخلافة الملك)، هو و أفراد عائلته الي الأبد.

و قد حاول معاوية بلفتة ذكاء منقطعة النظير أن يحول تاريخ العداء الذي كان قائما بين آله و بينه هو بالذات من جهة، و بين رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم و آله من جهة أخري، و يعرضه أمام الأمة الصامتة المغلوبة علي أمرها، و كأنه تأريخ ود وحب شديد بدأ بين


الرسول صلي الله عليه وآله وسلم و معاوية بالذات، بعد دخول معاوية الاسلام، حتي أنه قال فيه ما لم يقل في أحد غيره، حتي عثمان نفسه و من سبقه من الخلفاء.

و لنتصور وسائل الاعلام العديدة و المتمرسة و هي تقوم بعملها لغسل عقول الأمة، و التي بدأت عملها في محيط أهل الشام الجهلة بالاسلام، و هي تقوم بهذا العمل بكل همة و نشاط تدعمها اليد المنبسطة بالعطاء اللامحدود، يد (الخليفة) المسيطر علي كل شي ء و المالك لكل شي ء، لندرك اندفاعها لتحقيق (الانجاز الكبير) الذي حققته بهذا السبيل، و لنتصور أنها كانت أكبر الوسائل الاعلامية المتيسرة، و قد كانت كلها مكرسة و بطاقة قصوي لهذا الغرض، و لنتصور النتائج الكبيرة التي حققتها تلك الوسائل و خصوصا في محيط الشام.

و لما كان أميرالمؤمين عليه السلام يمثل عقبة رئيسية بوجه الأمويين، حتي بعد اختفائه من الساحة، فقد تزامنت الحملة الاعلامية الواسعة للرفع من شأن معاوية حملة أخري لا تقل عنها سعة للغض من قيمة أميرالمؤمنين عليه السلام و النيل منه و الحط من شأنه و تحميله مسؤولية قتل عثمان، الذي كان ذريعة للخروج عليه و تحريض أهل الشام و وضعهم في مقدمة المنادين بالثأر.

و قد ساعد معاوية في حملته تأثيره في أهل الشام، و كره قريش لآل محمد صلي الله عليه وآله وسلم، و قد أوضع أميرالمؤمنين عليه السلام السبب الرئيسي لذلك الكره القرشي (و الله ما تنقم منا قريش الا أن الله اختارنا عليهم، فأدخلناهم في حيزنا...) [1] .


پاورقي

[1] نهج‏ البلاغة - تحقيق د. صبحي الصالح ص 77.