بازگشت

شيطان يأتي المرء من بين يديه و من خلفه و عن يمينه و عن شماله


يمثل معاوية احدي (عبقريات الشر) الفريدة التي أثرت علي مجري التاريخ الاسلامي، بل تاريخ العالم كله، و الذي يشكل الأول جزءا رئيسيا و مهما منه. فقد قام بأكبر عملية نسخ و تزوير، حدثت عبر التاريخ كله، لاظهار الاسلام بالصورة التي أحب أن يرسمها هو، اسلاما أموي الشكل و المضمون، كما قام بأكبر عملية (غسيل للأدمغة) للمجتمع الاسلامي قام بها انسان و نجح فيها الي حد بعيد... الي درجة فاقت كل ما قام به أعداء الاسلام العلنيون و المباشرون بهذا الشأن الي يومنا هذا، و لعلهم لم ينجحوا في مسعاهم المعادي الا بعد أن مهد لهم معاوية الأمر هذا التمهيد الذي (الجري ء).

ان جزءا كبيرا من حياته يطل من وراء الكواليس و الزوايا و الحفر المظلمة التي حاك فيها مؤامراته البارعة! ضد الاسلام. و لعل هذا الدأب و النشاط و المثابرة من قبله للوصول الي كرسي الحكم و تهديم الاسلام الذي أعلن انتماءه اليه في عام الفتح أي قبيل عدة أشهر فقط من وفاة الرسول الكريم صلي الله عليه و آله و سلم، كان امتدادا لعمل دؤوب آخر من قبل أسلافه - و خصوصا أبي سفيان، والده - لمحاربة بني هاشم، ثم محمد صلي الله عليه و آله و سلم و الاسلام الذي رأوا فيه تتويجا نهائيا و أبديا لأولئك المخصوصين بالنبوة و الامامة معا، و معولا لتهديم كل أمجادهم الكاذبة، و طموحاتهم غير المشروعة. فلابد اذا -عند دراسة معاوية - أن ندرك أبعاد هذه الشخصية القوية المعقدة، و أن لاننظر اليه نظرة ساذجة كرجل انحرف بعض الانحراف عن الاسلام و حسب، و أنه انمان كان يفعل ذلك بسبب حرصه علي وحدة المسلمين و كلمتهم، و ان معظم تصرفاته (عفوية)، و قد تكون رد فعل علي تصرفات أعدائه الذين لم يقلوا عنه عزما في شن حرب مقابلة عليه كما يفعل هو...!

فلنكن مستعدين، و نحن نخوض غمار هذه التجربة، متيقظين أمامها، و أمام


هذا الرجل الذي امتلك (مؤهلات الصمود) بوجه أميرالمؤمنين نفسه الذي اكتشف مجاهيل نفسيته العميقة، و حذر منه كما لو كان يحذر من الشيطان نفسه، فقد ورد في احدي رسائله عليه السلام الي زياد بن أبيه تحذير شديد و حاسم، عندما حاول معاوية الحاق نسبه بأبي سفيان والده، علي أساس أنه زني بسميه والدة زياد، و أنها ولدت له زيادا، ضاربا عرض الحائط بالتشريعات الاسلامية بهذا الخصوص (و سنتعرض لهذه القضية عند التطرق لشخصية زياد فيما بعد). قال أميرالمؤمنين عليه السلام في تحذيره (ان معاوية يأتي الانسان من بين يديه و من خلفه و عن يمينه و عن شماله. فاحذر ثم احذر..) [1] .


پاورقي

[1] الکامل في التاريخ - ابن الأثير. دار الکتب العلمية. بيروت م 3 ص 301. و مع ذلک (استلحقه معاوية و کان استلحاقه أول ما ردت به أحکام الشريعة علانية فان رسول‏الله صلي الله عليه و آله و سلم قضي بالولد للفراش و للعاهر بالحجر) ص 301.