بازگشت

خليفة الرسول أم لمن


و نعيد ما ألمحنا اليه: ان من جاءوا الي (الخلافة) و الحكم بعد الدولة الاسلامية الأولي، لو أقروا ما أقرته تلك الدولة و وضعته من مناهج و أنظمة، لكانوا هم أول (المتضررين) من فقدان الامتيازات التي أباحوها لأنفسهم، و لما استطاعوا جمع الأموال و بناء القصور و شراء العبيد، و ابداء مظاهر الترف و البذخ في حياتهم. هل يستطيع أحد منهم أن يقول كما قال أميرالمؤمنين عليه السلام و ينفذ مقولته كما نفذها الامام فعلا (أأقنع من نفسي بأن يقال أميرالمؤمنين و لا أشاركهم في مكاره الدهر، و أكون اسوة لهم في جشوبة العيش.) [1] .

(... و الله الذي لا اله الا هو ما زويت من مالكم قليلا و لا كثيرا) [2] .

(.. اني سمعت رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم يقول: لا يحل للخليفة من مال الله الا قصعتان، قصعة يأكلها هو و أهله، و قصعة يطعمها بين الناس) [3] .

(و لم يخلف الامام علي عليه السلام الا ثلاثمائة درهم...) [4] .


(روي عن عمر بن عبدالعزيز أنه قال فيه: «أزهد الناس في الدنيا علي بن أبي طالب) [5] .

و كان مما جاء في وصيته: «الله الله في الفقراء و المساكين، فاشركوهم في معاشكم) [6] .

عن أبي هاشم بن زاذان قال: «كان عيسي يمشي علي الأسواق وحده و هو خليفة، يرشد الضال، و بعين الضعيف، و يمر بالبياع و البقال) [7] .

و قال فيه الحسن بن أبي الحسن البصري في كلام كثير: «لم يكن بالنومة عن رسول الله، و لا الملوكة في ذات الله، و لا السروقة لمال الله) [8] .

(و كان أبوالحسن عليه السلام يعمل في أرض قد استنقعت قدماه في العرق فقيل له: «جعلت فداك، أين الرجال؟ فقال: و قد عمل باليد من هو خير مني في أرضه و من أبي، فقيل: و من هو؟ فقال: رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و أميرالمؤمنين، و آبائي كلهم كانوا قد عملوا بأيديهم، و هو من عمل النبيين و المرسلين و الأوصياء و الصالحين) [9] (و وضع أميرالمؤمنين عليه السلام درهما علي كفه ثم قال: أما انك ما لم تخرج عني لا تنفعني) [10] .

و قال عليه السلام: «ان من أعون الأخلاق علي الدين الزهد في الدنيا» [11] .

و قال عليه السلام: «ابن آدم ان كنت تريد من الدنيا ما يكفيك فان أيسر ما فيها يكفيك، و ان كنت انما تريد ما لا يكفيك، فان كل ما فيها لا يكفيك» [12] .

فهل يستطيع أولئك أن يأخذوا أنفسهم بما أخذ به نفسه من العدل و الشدة؟ هل يستطيع أحد منهم أن يتنازل فيتحاكم مع أحد رعيته الي أحد قضائه...؟ اللهم الا بدافع التظاهر و المباهاة.


(يروي الزمخشري في كتابه (ربيع الأبرار) عن الشعبي أنه كان يقول: «ما لقينا من علي؟ ان أحببناه قتلنا، وان أبغضناه هلكنا) [13] .

(جاء جعدة بن هبيرة الي علي فقال: يا أميرالمؤمنين، يأتيك الرجلان، أنت أحب الي أحدهما من أهله و ماله، و الآخر لو يستطيع أن يذبحك لذبحك، فتقضي لهذا علي هذا. قال فلهزه علي و قال: ان هذا شي ء لو كان لي فعلت، و لكن انما ذا شي ء الله.) [14] .

ثم انه عليه السلام وقف أمام القضاء، حينما شكاه أحد الناس العاديين، بل المعادين للاسلام، و لم ير في ذلك ضيرا و لم ير أنه ينتقص من شخصه (و قد رفع يهودي مواطن في الدولة الاسلامية شكوي علي الامام الي الخليفة في عهد عمر، فأحضر عمر اليهودي و ابن عم رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، في مجلس القضاء. و حينما استمع الي كلام كل منهما لاحظ علي الامام شيئا من التأثر، و خيل له أن الامام ساءه أن يحضر في مجلس القضاء مع مواطن يهودي. فقال الامام: اني استأت لأنك لم تساو بيني و بينه، اذ كنيتني و لم تكنه) [15] .

و حتي معاوية نفسه قال فيه، في خطاب محمد بن أبي بكر «... قد كنا و أبوك فينا، نعرف فضل ابن أبي طالب، و حقه لازما مبرورا علينا» [16] .

و قال عنه عمرو بن العاص مخاطبا معاوية و مهددا اياه بالتخلي عنه ان هو لم يشركه في ملكه (... فاني أعلم أن علي بن أبي طالب علي الحق و أنت علي ضده) [17] .

و قد جسد أميرالمؤمنين عليه السلام فهمه للاسلام بالكلمات المختصرة التي قالها لولديه الحسن والحسين صلي الله عليه و آله و سلم: «أوصيكما بتقوي الله، و لا تبغيا الدنيا و ان بغتكما، و لا تبكيا علي شي ء ذوي عنكما. و قولا الحق، و ارحما اليتيم، واعينا الضائع، و اصنعا


للآخرة، و كونا للظالم خصيما، و للمظلوم ناصرا، و اعملا بما في كتاب الله، و لا تأخذكما في الله لومة لائم» [18] و لعل مقالة المقداد، و هو من خيرة الصحابة، فيه تدل أبلغ دلالة علي حقيقته التي غمضت عنها عيون الكثيرين: «ما رأيت مثل ما أوتي أهل هذا البيت بعد نبيهم، اني لأعجب من قريش، انهم تركوا رجلا، ما أقول أن أحدا أعلم منه و لا أقضي بالعدل و لا أعرف بالحق) [19] .

و اذا فهل يستطيع أولئك المتطلعون للحكم و الجلوس علي كرسي الخلافة أو الملك أو الرئاسة أن يتحملوا ما تحمله الامام عليه السلام في ذات الله، حتي و هو في منصب القيادة الفعلية للأمة، و يأخذوا أنفسهم بما أخذ به نفسه من تقشف و شدة و زهد، و أن يقروا حقه و حتي أسلوبه في الحكم و الحياة و الذي هو أسلوب رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم نفسه، و هل يستطيعون الصمود أمام الامتيازات و الاغراءات التي أتاحتها لهم السلطة و الحم (و يتنازلوا) الي مراتب الناس الآخرين..؟.


پاورقي

[1] نهج‏البلاغة 3 ص 72.

[2] البداية و النهاية - ص 3 ج 8.

[3] البداية و النهاية - ص 3 ج 8.

[4] العقد الفريد ص 103.

[5] البداية و النهاية ج 8 ص 5.

[6] المصدر السابق م 4 ج 7 ص 34.

[7] نفس المصدر ص 5.

[8] العقد الفريد ص 60.

[9] جامع السعادات 2 / باب الاعتدال.

[10] المصدر السابق 2.

[11] المصدر السابق.

[12] نفس المصدر.

[13] أصل الشيعة ص 75.

[14] البداية و النهاية - ابن کثير م 8 ص 5.

[15] منابع القدرة في الدولة الاسلامية / الشهيد الصدر ص 187.

[16] مروج الذهب ص 17.

[17] نفس المصدر ص 26.

[18] الکامل في التاريخ ص 257.

[19] العقد الفريد ص 30 و قد (قال الامام أحمد بن حنبل: ما ورد لأحد من أصحاب رسول‏الله (ص) من الفضائل ما ورد لعلي رضي الله عنه. أخرجه الحاکم تاريخ الخلفاء / السيوطي / دارالفکر / بيروت 1988 ص 157.