بازگشت

النموذج الاسلامي الأول للحاكم


ان النموذج الاسلامي الأول الذي لا يعتبر الحاكم صاحب امتيازات اضافية و حقوق تفوق ما للآخرين من الرعية، يغاير النموذج الذي وجد بعد ذلك و حياة البذخ التي تطلع اليها و عاشها بشكل فاضح من تسلموا الحكم باسم الاسلام، و قد حاول النموذج الأول أن يرسخ قواعد المساواة و العدالة بين الناس علي أساس الانتماء للاسلام و الارتباط به بشكل حقيقي، لا أساس عرقي أو طبقي أو غيرهما.

لقد عمل الاسلام علي تهيئة الفرص لكل الناس بغض النظر عن أصولهم و انحدارهم الطبقي و مراكزهم الاجتماعية و ثرواتهم ليأخذوا دورهم الايجابي في بناء نفوسهم، و بناء المجتمع الاسلامي الصحيح المتكافل المتحاب المتراص المتطلع الي نشر عدالة الاسلام و مبادئه و قيمه و اعلاء رايته و ترسيخ مبادئه، (و استطاع عدد كبير ممن كانوا عبيدا أو أشباه العبيد في مجتمعات الجاهلية، أن يكونوا من قادة البشرية، الأكفاء و نوابغها المبدعين في مختلف مجالات الحياة الفكرية و السياسية و العسكرية، و ذلك لأن النمو الصالح للفرد في الدولة الاسلامية، لا يحدده أي اعتبار، سوي قدرات الفرد و قابلياته الخاصة) [1] .

قال الامام أميرالمؤمنين عليه السلام لواليه علي مصر (ثم اعرف لكل امري ء منهم ما أبلي، و لا تضمن بلاء امري ء الي غيره، و لا تقصرن به دون غاية بلائة و لا يدعونك شرف امري ء الي أن تعظم من بلائه ما كان صغيرا و لا ضعة امري ء الي أن تستصغر من بلائه ما كان عظيما...) [2] .

ان الأنف القرشي، الشامخ الذي استطاع ثانية أن يتسنم السلطة و الحكم و النفوذ


في العهدين الأموي و العباسي، أضاف الي (شموخه) و اعتزازه (بالنسب العالي)، شموخ القوة و السلطان و النفوذ، فأصبح مثالا سيئا للحكام الآخرين، الذين جاءوا بعد ذلك، و رأوا أن أقل ما يفعلون - حتي و ان لم يكونوا قرشيين - هو أن يتشبهوا بأولئك الحكام القرشيين (المرموقين)، و يعوضوا النسب الناقص بالتمادي في مظاهر الأبهة و السلطان و البذخ و القسوة، بالقدر الذي يتاح لهم ليظهروا أنفسهم و كأن لا أحد يضاهيهم أو يساويهم أو يقدر علي النيل منهم أو ابتزاز مراكزهم، و ربما عمد بعضهم - و هو ما رأيناه في مختلف فصول التاريخ و الي عهدنا الحالي - الي وضع شجرة نسب مزيفة تعود به الي آل البيت عليهم السلام أنفسهم، و بهذا أضاف شرف آل البيت الي شرف قريش ثم ادعاه كله لنفسه ليفتخر علي الآخرين.. و لا تفوتنا الأمثلة العديدة بهذا الصدد، و لعل القاري ء المطلع لديه أمثلة أخري كثيرة.


پاورقي

[1] منابع القدرة في الدولة الاسلامية - الشهيد الصدر ص 186.

[2] نهج‏البلاغة 3 - ص 92.