بازگشت

ارادوا الطعن فيه، فطعنوا في شيعته أحاديث عن الشيعة


في حملة متأخرة عن عهد أميرالمؤمنين عليه السلام، غلب عليها طابع التحامل و السعار و الضغينة، ألصقت العديد من الفرق (الاسلامية) المنقرضة و غيرها، بالشيعة الذين انحازوا الي علي عليه السلام و موافقه المطابقة تماما لموقف الرسول صلي الله عليه و آله و سلم، ثم أصبحوا بعد ذلك شيعة للأمة من ولده، بعد أن ظهرت المذاهب الاسلامية العديدة في وقت متأخر. و كان ظهور بعض هذه الفرق و نسبتها الي الشيعة مثل الاسماعيلية و الواقفية و الفطمية و غيرها مثل الخطابية و الغرابية و العلياوية و المخمسة و البزيعية و القرامطة التي غالت كثيرا و ضلت، يراد منها بكل تأكيد النيل من الأئمة و والدهم عليه السلام ثم النيل من النبي صلي الله عليه و آله و سلم و الاسلام بعد ذلك. فمن المؤكد أن تلك الفرق التي ضلت و غالي بعضها بعد أن ادعوا (... أن الامام هو الله سبحانه ظهورا أو اتحادا أو حلولا مما يقول به كثير من متصوفة الاسلام و مشاهير مشائخ الطرق، و قد ينقل عن الحلاج بل و الكيلاني و الرفاعي و البدوي و أمثالهم من الكلمات «و ان شئت فسمها كما يقولون شطحات» ما يدل بظاهره علي أن لهم منزلة فوق الربوبية و أن لهم مقاما زائدا عن الألوهية (لو كان ثمة موضع لمزيد) و قريب من ذلك ما يقول به أرباب وحدة الوجود أو الموجود) [1] .

ان تلك الفرق لا يمكن أن تتسب للشيعة أو لأحد الأئمة عليه السلام، و هذا أمر ينبغي أن ينظر اليه بجدية و تنبذ كل نظرة لا مبالية أو خاطئة بشأنه. اذ أن من المؤسف أن مجاميع كبيرة من الناس لا زالت تفكر بعقليات قديمة لا تنسجم و روح التحقيق و العلم و الانصاف و التدبر، رغم أن العقل البشري يقفز الآن في مجالات أخري كالمجالات التقنية و العلوم التطبيقية و الرياضيات قفزات هائلة لا تنسجم مع تخلفه في


أمور أخري كأمور البحث العلمي في المجالات التاريخية و الاجتماعية و الانسانية بشكل عام.

ان أول من حارب الغلاة هو أميرالمؤمنين عليه السلام نفسه، بنفس القوة التي حارب بها المشركين و الكفار و من خرجوا عن الاسلام فيما بعد و ابتعدوا عن مناهجه و أسسه الايمانية الواضحة.

و اذ لم يعد الآن وجود لتلك الفرق البائدة المنقرضة و أشباهها، فان علينا أن ندرك أن أحد أسباب ذلك، و أن الذين تصدوا لها، هم الشيعة الامامية، (أتباع الامام علي و أولاده عليهم السلام فيما بعد) أنفسهم، من من تصدي لهم من المسلمين الآخرين. و هكذا فانه من الظلم الواضح و التجني الكبير أن ننسب أولئك الي علي عليه السلام، و نروح نطعن فيه لمجرد أننا نرغب في ذلك كما رغب فيه معاوية من قبل و أراده.

ان الشيعة الامامية تري (... ان تلك المقالات من أشنع الكفر و الضلالات و ليس دينهم الا التوحيد المحض، و تنزيه الخالق عن كل مشابهة للمخلوق أو ملابسة لهم في صفة من صفات النقص و الامكان و التغير و الحدوث و ما ينافي وجوب الوجود و القدم و الأزلية، الي غير ذلك من التنزيه و التقديس المشحونة مؤلفاتهم في الحكمة و الكلام. أن الأعداد الغفيرة من الصحابة و التابعين التي ساندت الامام و وقفت معه و خلفه، تدل علي أنهم لمسوا فيه ما لمسه رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم. فقد روي السيوطي - و هو من علماء أهل السنة، في كتابه (الدر المنثور في تفسير كتاب الله بالمأثور) في تفسير قوله تعالي (أولئك هم خير البرية) قال: أخرج ابن عساكر عن جابر بن عبدالله قال: كنا عند النبي صلي الله عليه و آله و سلم، فأقبل علي عليه السلام، فقال النبي صلي الله عليه و آله و سلم: و الذي نفسي بيده، ان هذا و شيعته لهم الفائزون يوم القيامة. و نزلت (ان الذين ءامنوا و عملوا الصلحت أولئك هم خير البرية) [2] .. و اخرج ابن عدي عن ابن عباس، قال: لما نزلت: ان الذين آمنوا و عملوا الصالحات، قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم لعلي عليه السلام: «هو أنت و شيعتك يوم القيامة، راضين مرضيين. و أخرج ابن مردويه عنه عليه السلام، قال: قال لي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: لم تسمع قول الله (ان الذين ءامنوا و عملوا الصالحات أولئك هم خير البرية) هم أنت و شيعتك، و موعدي و موعدكم الحوض، اذا جاءت الأمم للحساب تدعون غرا محجلين) [3] .


و هذا الحديث و أمثاله مروي أيضا في (الصواعق المحرقة) لابن حجر و الزمخشري في ربيع الأبرار و مسند الامام أحمد بن حنبل و خصائص النسائي و غيرها، و لعل اقتداء مجاميع كبيرة من المسلمين بالامام عليه السلام و المتابعة له و الالتزام بهذه المتابعة، جعل اسم التشيع لعلي ملتصقا بهم، و هذا ما يشرفهم علي أي حال، و مهما يكن من أمر، فليس هناك من يستطيع الغض من قيمة الامام علي عليه السلام، من خلال الغض من شيعته السائرين علي طريقه و الملتزمين بأفعاليه و أقواله، كما التزموا بأفعال و أقوال الرسول صلي الله عليه و آله و سلم و القرآن الكريم، و هي جميعا من مصدر واحد و لا تناقض بينها علي الاطلاق.

و لا بأس من الرجوع هنا الي بعض آراء الدكتور طه حسين - و هو من أبناء السنة أيضا - بصدد نشوء مذهب التشيع للامام عليه السلام، و فيها يؤيد بعض ما ذهبنا اليه بهذا الشأن... (.. و الشي ء الذي ليس فيه شك فيما أعتقد هو أن الشيعة، بالمعني الدقيق لهذه الكلمة عند الفقهاء و المتكلمين و مؤرخي الفرق، لم توجد في حياة علي، و انما وجدت بعد موته بزمن غير طويل... و انما كان معني كلمة الشيعة أيام علي هو نفس معناها اللغوي القديم الذي جاء في القرآن في قول الله عزوجل من سورة القصص: (و دخل المدينة علي حين غفلة من أهلها فوجد فيها رجلين يقتلان هذا من شيعته و هذا من عدوه فاستغثه الذي من شيعته علي الذي من عدوه فوكزه موسي فقضي عليه) [4] و في قول الله عزوجل من سورة الصافات: (و ان من شيعته لابرهيم) [5] فالشيعة في هاتين الآيتين و غيرها من الآيات معناها الفرقة من الأتباع و الأنصار الذين يوافقون علي الرأي و النهج و يشاركون فيهما.

فشيعة علي أثناء خلافته هم أصحابه الذين بايعوه و اتبعوا رأيه، سواء منهم من قاتل معه و من لم يقاتل، و لم يكن لفظ الشيعة أيام علي مقصورا علي أصحابه وحدهم و انما كان لمعاوية شيعته أيضا.

ان عليا لم تكن له شيعة ممتازة من الأمة قبل الفتنة، و لم تكن له شيعة بالمعني الذي يعرفه الفقهاء و المتكلمون أثناء خلافته، و انما كان له أنصار و أتباع و كانت كثرة المسلمين كلها له أنصارا و أتباعا.


و قد قتل علي و ليس له حزب منظم و لا شيعة مميزة، بل لم ينظم الحزب العلوي و لم توجد الشيعة المميزة الا بعد أن تم اجتماع الأمر لمعاوية...) [6] [7] .

و لم نر بدا من الاشارة بشكل سريع الي هذا الموضوع، اذ أنه يساعدنا علي اكتشاف جانب من جوانب الحملة المنظمة ضد أميرالمؤمنين عليه السلام و جماهير المسلمين التي تابعته و شايعته و انتهجت خطاه، سواء في عهده أم في العهود اللاحقة، و الي يومنا هذا.

علي أننا (لو محصنا التاريخ الاسلامي، و تبينا ما نشأ فيه من عقائد و آراء و نظريات، لعرفنا أن المسلمين الموجب لهذا الاختلاف انما هو ثورة العقيدة، و دفاع عن نظرية أو تحزب لرأي؛ و ان أعظم خلاف وقع بين الأمة اختلافهم في الامامة، فانه ما سل سيف في الاسلام علي قاعدة دينية مثل ما سل علي الامامة! فأمر الامامة اذن من أكثر الأسباب المباشرة لهذا الاختلاف، و قد طبعت الأجيال المختلفة في الامامة علي حب هذه العصبية، و ألفت هذه الحزبية؛ بدون تدبر و بدون روية، و لو أن كلا من الطائفتين نظرت في بينات الأخري نظر التفاهم لا نظر الساخط المخاصم لحصحص الحق و ظهر الصبح الذي عينين) [8] .. و لابد أننا - لو تابعنا الأمر - لوجدنا أن البداية المنظمة للحملة المدروسة المعدة ضد الامامة كانت علي يد معاوية و الدولة الاموية... و ان تأثير تلك الحملة و لمساتها السوداء المضللة لا زالت تبدو في آراء و كتب العديدين من الكتاب و المفكرين و العلماء و الباحثين الي يومنا هذا!



پاورقي

[1] أصل الشيعة ص 80.

[2] البينة)7(.

[3] أصل الشيعة ص 88 - 87، 81 - 80.

[4] القصص: 15.

[5] الصافات: 83.

[6] الفتنة الکبري - طه حسين 2 س 175 - 174 دار المعارف.

[7] و للتأکيد علي المضمون اللغوي العام لهذه الکلمة نورد هنا بيتا من العشر قاله حسان بن ثابت ردا علي الزبرقان بن بدر:



أکرم بقوم رسول‏الله شيعتهم

اذا تفرقت الأهواء و الشيع‏



... و قول أميرالمؤمنين عليه‏السلام لعثمان يحذره عندما کلمه الناس في أمر الانحراف المتسع في عهده (... و اني أحذرک أن تکون امام هذه الأمة المقتول، فانه يقال: يقتل في هذه الأمة امام، فيفتح عليها القتل و القتال الي يوم القيامة، و تلبس أمورها عليها، و يترکهم شيعا، فلا يبصرون الحق لعلو الباطل، يموجون فيها موجا، و يمرجون فيها مرجا..) تاريخ الأمم و الملوک - الطبري - دار الباز - دار الکتب العلمية / بيروت لبنان ط 1987 / 1 ص 645 - 190 م 2.

[8] المراجعات - الامام عبدالحسين شرف‏الدين الموسوي - مؤسسة الوفاء - بيروت.