بازگشت

جبهة المصالح تواجه خط المبادي ء


ان قريشا التي استسهلت و استساغت، بل و عملت بجد و دأب لكي يخرج الأمر عن أهله الشرعيين لمدة طويلة، و لم تر أن تجتمع النبوة و الامامة لهذا البيت من قريش، كما عبر عن ذلك عمر بن الخطاب، شارحا المسألة لابن عباس و هو يماشيه، ربما وجدت، بعد استلام أميرالمؤمنين الخلافة، انها قد أخطأت هذه المرة و (استسلمت) لعلي عليه السلام و أقرت له بحقه في نهاية المطاف، و ربما بررت استسلامها بأنه كان اضطرارا في أعقاب الثورة القائمة ضد عثمان. لذلك فان معاوية، ما كاد يخرج علي علي، بعد أن خرج عليه آخرون يوم الجمل و غيره، حتي سارع لاستنفاد كل القوي الشريرة الانتهازية و المنافقة، للوقوف الي صفه ضد هذا الذي يدعو الي الرجوع رجوعا تاما الي كتاب الله و سنة نبيه، و الذي يريد أن يميت الباطل الي الأبد و يحيي ما اندثر من معالم الدين و يمحو الامتيازات التي حصلت عليها الطبقة الطفيلية الغريبة التي نشأت و ترعرعت بعد وفاة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم. و أثار معاوية نعرة عصبية ممقوتة بين أهل الشام تنادي بالولاء للبيت الأموي، و صور نفسه كأنه مغلوب علي أمره أمام القوة الجماهيرية التي تريد بقاءه و صور هذا البقاء و الوقوف ضد أميرالمؤمنين و كأنه مطلب جماهيري كبير لا يملك الا الاستجابة له، و قد (نجح) معاوية في مهمته هذه نجاحا باهرا الي حد أن (مفكرين) و كتابا اسلاميين أمثال ابن خلدون (انخدعوا) بها و رأوا أن معاوية كان مجبرا فعلا علي استجابة للمطلب الشعبي الكبير! للتصدي لأميرالمؤمنين عليه السلام... (.. اقتضت طبيعة الملك الانفراد بالمجد و استئثار الواحد به، و لم يكن لمعاوية أن يدفع عن نفسه و قومه، فهو أمر طبيعي، ساقته العصبية بطبيعتها و استشعرته بنوأمية و من لم يكن علي طريقة معاوية في اقتفاء الحق من أتباعهم فاعصوصبوا عليه، و استماتوا دونه. و لو حملهم معاوية علي غير تلك الطريقة و خالفهم في الانفراد بالأمر لوقوع في افتراق الكلمة التي كان جمعها و تأليفها أهم عليه من أمر ليس وراءه كبير مخالفة... و كذلك عهد معاوية الي


يزيد خوفا من افتراق الكلمة بما كانت بنوأمية لم يرضوا تسليم الأمر الي من سواهم، فلو قد عهد الي غيره اختلفوا عليه، مع أن ظنهم به كان صالحا، و لا يرتاب أحد في ذلك و لا يظن بمعاوية غيره، فلم يكن ليعهد اليه وهو يعتقد ما كان عليه من الفسق، حاشا الله لمعاوية من ذلك) [1] .

لم يكن الذنب ذنب علي عليه السلام عندما تخلي عنه المنافقون و النفعيون و الانتهازيون و ضعاف النفوس، فقد كان أولئك و أشباههم مستعدين للتخلي عن الرسول صلي الله عليه و آله و سلم نفسه لو كان يعيش ظروفا مشابهة لتلك التي عاشها الامام فيما بعد، و قد رأينا كيف تصدي آباؤهم للرسول و حاولوا النيل منه و من الاسلام بكل طريقة متاحة، الا أن الله قمعهم و نصر دينه. و هنا نستطيع أن ندرك مدي سخافة التبجح الفارغ لمعاوية عندما قال مفتخرا بذكائه و تدبيره (... أعنت علي علي بأربعة، كنت أكتم سري، و كان رجلا يظهره، و كنت في أصلح جند و أطوعه، و كان في أخبث جند و أعصاه، و تركته و أصحاب الجمل، و قلت ان ظفروا به، كانوا أهون علي منه، و ان ظفر بهم اغتر بها في دينه! و كنت أحب الي قريش منه، فيا لك من جامع الي و مفرق عنه) [2] و رغم ما في هذا الكلام من الغرور و الكذب و خصوصا حول اغترار علي في دينه! فانك تلمس فيه روحا مغامرة طائشة عابثة، لا تري للدين و قيمه السامية أي تأثير في توجهاتها. و سلوكها و طموحها. فمن المؤكد أن ما يخفيه معاوية من مكر و حيل و مكائد لم يكن يشرف صاحبه اذا ما حاول اظهاره كله أمام الملأ و كشفه حتي أمام المقربين منه، كان يريد يقوله هذا أن يظهر الامام عليه السلام و كأنه ضالع معه في لعبه و مغامراته مع أنه لم يكن لدي الامام ما يود اخفاءه، و كان يريد أن تكون المعركة معلنة أمام الملأ، و كان يريد الناس أن تنحاز الي مواقفه و مثله لا اليه شخصيا لأنه أميرالمؤمنين علي، بل تنحاز الي الاسلام، الذي يمثله و يجسده، رغم العداوة المتأصلة في نفوس أبناء قريش المنكسرين المهزومين أمام الاسلام و ابطال الاسلام و في مقدمتهم هو نفسه. و رغم من تطلعوا الي معاوية ليغدق عليهم من الأموال العامة أكثر مما يستحقون، علي حساب البقية من أبناء الأمة لغرض استمالتهم و شراء ذممهم، فقد كان معاوية (أول من وضع شرف العطاء ألفين) [3] .


ان استثمار معاوية لكل ما من شأنه أن يوله الي غايته، و هي ابتزاز الخلافة، ينبغي أن لا يكون مستغربا من قبل العديد منا متي علمنا من هو معاوية. و ينبغي أن نذكر أنه بسبيل الوصول الي هذه الغاية خاض أكبر عملية منظمة و دؤوبة للحط من منزلة الامام و التقليل من شأنه، حتي أصبح معظم أهل الشام، يعتبرون سب الامام من صلب عقيدتهم الاسلامية و أنه أمر لازم، و أن من يسبونه، لم يكن سوي عدو من أعداء المجمتع و حتي أنهم لم يعرفوا من هو. فقد (ذكر بعض الاخباريين أنه قال لرجل من أهل الشام من زعمائهم، و أهل الرأي و العقل منهم: من أبوتراب هذا الذي يلعنه الامام علي المنبر؟ قال: أراه لصا من لصوص الفتن) [4] فاذا كان هذا الزعيم من أهل الرأي و العقل من أهل الشام يقول هكذا، فكيف سيقول الآخرون من الجهلة و العوام و السذج؟


پاورقي

[1] مقدمة ابن خلدون ص 227 - 228.

[2] العقد الفريد 109.

[3] المصدر السابق ص 105.

[4] مروج الذهب 40 - 39.