بازگشت

الانحياز المطلق للحق


ان الامام عليه السلام - بموقفه هذا - يؤكد انحيازه المطلق للحق، و يؤكد عصمته حينما لا يري أمامه الا طريقا واحدا مسموحا بسلوكه. و في الوقت الذي يستمع فيه


لمشيريه، فانه يستعرض آراءهم و أقوالهم، فاذا وافقت الاسلام أخذ بها و ان لم توافقه رفضها و نبذها... و ليس للامام أن يطيع أحدا طاع مطلقة و يأخذ بكل ما يجيئان به، سوي الله و رسوله، أما الآخرون، فهم ملزمون بطاعته هو بعد طاعة الله و رسوله.

لقد كانت عدم استجابته لاقرار معاوية و بقية عمال عثمان علي وظائفهم، يدل - اضافة لدلالته علي مبدئية و استقامة الامام المطلقة - علي بعد نظر ثاقب، اذ أن من شأن ذلك - اذا ما أقر الامام معاوية مثلا - أن يضفي الشرعية علي بقائه بينما يستطيع هو بنفس الوقت في محاولته المستميتة المتشبثة للبقاء، انكار شرعية خلافة الامام عليه السلام، و لم يكن معاوية ليعترف بهذه الشرعية تحت أي ظرف لأن ذلك يهدده هو شخصيا و يعرضه للسقوط التام، لأن أساس وجوده كان يقوم علي ادعاءاته الباطلة بعدم شرعية خلافة أميرالمؤمنين عليه السلام ان معاوية الذي يعلم حق العلم موقف أميرالمؤمنين منه و رأيه فيه، ما كان يفوته الأمر لو أن الامام عليه السلام أخذ برأي المغيرة أو ابن عباس، و لانتبه من أول وهلة أن ابقاءه ليس سوي مكيدة، و هكذا سيعلن أمام المسلمين قائلا: (انظروا... ان عليا اعترف بي واليا لأني استحق ذلك... أما أنا فلا أعترف به خليفة لأنه لا يستحق ذلك)... و كان اعلانه ذلك سيكون متقبلا من فئات عديدة من المسلمين اضافة لاتباعه من أهل الشام و الانتهازيين و المنافقين و النفعيين.

و هكذا راح الامام يدعو معاوية و جماعته دعوة صريحة الي الاسلام و قيمه و مبادئه (... ألا أني أدعوكم الي كتاب الله و سنة نبيه و اماتة الباطل، و احياء الحق و معالم الدين..) [1] . هذه الدعوة المستمرة التي كرس لها حياته و مات من أجلها، و فرح بذلك الموت الذي تيقن أنه سيجعله في أعلي مراتب الشهداء و الصديقين، و عبر عن ذلك بمقولته الشهيرة عندما ضربه ابن ملجم «فزت و رب الكعبة».. فبأي شي ء فاز، و حلف علي ذلك متيقنا برب الكعبة، ان لم يكن بالجنة..؟.

صحيح أن الأمور لم تستقم له، و خرج عليه كثيرون و كانت حياته حافلة بالخطوب و المحن، الا أنه خرج بمحصلة أكيدة و هي استقامته و سيره الحثيث علي درب رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و عدم الانحراف عنه قيد أنملة و هكذا تيقن بالفوز، و هكذا أرادنا أن نتيقن من عصمته و صحة منهجه.


هل كان الذنب ذنبه أن خرج عليه كثيرون رأوا أن مصالحهم ستتحطم علي صخرة صموده و صلابته في ذات الله؟ كيف سيكون رد فعل من أتيحت لهم جمع الأموال الطائلة و فتحت لهم أبواب النفود و الامتيازات الواسعة، لو استقامت الأمور لهذا الامام، و عمل بما يراه لازما علي ضوء كتاب الله و سنة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم؟.

انهم يعلمون رأيه بالأموال التي (اكتسبوها) قبل حكمه و قوله (و الله لو وجدته قد تزوج به النساء، و ملك به الاماء، لرددته، فان هي العدل سعة. و من ضاق عليه العدل، فالجوز عليه أضيق) [2] .

(.. و أيم الله، لأبقرن الباطل حتي أخرج الحق من خاصرته) [3] .

(... لو كان المال لي لسويت بينهم، فكيف و انما المال مال الله، الا و ان اعطاء المال في غير حقه تبذير و اسراف، و هو يرفع صاحبه في الدنيا و يضعه في الآخرة) [4] .


پاورقي

[1] ابن الأثير - الکامل في التاريخ 3 - 174.

[2] نهج‏البلاغة - تحقيق د. صبحي الصالح - دار الکتاب اللبناني ط 2 - 82 - بيروت ص 57.

[3] المصدر السابق ص 150.

[4] نفس المصدر ص 183.