بازگشت

حياة الأئمة وحدة في المواقف و اختلاف في التعبير


ان شخصية الامام علي عليه السلام لا يمكن أن تدرس بمعزل عن شخصية و حياة الرسول صلي الله عليه و آله و سلم نفسه، كما أن شخصية أي امام بعد هما لا يمكن أن تدرس أو تفهم بمعزل عن شخصيتهما، اذ أن الفصل عند دراسة شخصية كل امام علي حدة، منقطعا عمن جاء قبله أو بعده، من شأنه أن يثير الكثير من الارتباك في الأذهان، و ربما أي البعض - اذا ما قام بدراسات منقطعة منفصلة لحياة و شخصية كل امام - تناقضا في سلوكهم، لا يستطيع تبريره أو فهمه، خصوصا اذا لم يكن متمتعا بالتصور الاسلامي الصحيح الذي يتيح له فهم التوجهات السلوكية القيادية للأئمة عليهم السلام في كل مراحل حياتهم، ان هذا الدارس ربما سيري فيها (اختلافا في الحالات و تباينا في السلوك و تناقضا من الناحية الشكلية بين الأدوار التي مارسها الأئمة عليهم السلام فالحسن عليه السلام هادن معاوية بينما حارب الحسين عليه السلام يزيدا حتي قتل، و حياة السجاد عليه السلام طافحة بالدعاء بينما كانت حياة الباقر عليه السلام طافحة بالحديث و الفقه) [1] .

و اذا ما اعتبرنا حياة الأئمة عليهم السلام، التي هي امتداد لحياة الرسول صلي الله عليه و آله و سلم، كلا واحدا، غير أنه يقع علي مراحل، و اعتبرنا أن لكل واحد منهم دورا يؤديه وفق


مقتضيات الظروف التي يمر بها و تعيشها معه الأمة الاسلامية، فاننا سنجد أنه لا يمكن أن يناقض امام اماما بتصرفاته، و سنري اختفاء التناقض الذي قد يلوح لنا، اذا ما درسنا حياة كل منهم بمعزل عن الآخرين و بمعزل عن المهمة الواحدة التي يحملونها جميعا، و كأن لا أحد يمت الي الآخر بصلة، و لم يرب امام الامام الذي سيليه علي نهجه و خطه اللذين هما نهج و خط رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم نفسه، و كأن مناهجهم و تصوراتهم و فهمهم للاسلام و مناحي سلوكهم الأخري تختلف عندهم و تتباين و لا تتطابق و تتماثل في أقل الحالات.

أما اذا درسناهم علي أساس النظرة الكلية اليهم جميعا (فسوف تزول كل تلك الاختلافات و التناقضات، لأنها تبدو علي هذا المستوي، مجرد تعابير مختلفة عن حقيقة واحدة، و انما اختلف التعبير عنها، وفقا لاختلاف الظروف و الملابسات التي مر بها كل امام و غاشتها الاسلامية و الشيعية في عصره، عن الظروف و الملابسات التي مرت بالرسالة في عهد امام آخر) [2] .

ان أحد الأسباب المهمة التي جعلت الكثيرين ينكرون عصمة أميرالمؤمنين عليه السلام هو نفس السبب الذي دعاهم لانكار امامته، و هو الذي دعاهم بالتالي أيضا الي انكار عصمة و أحقية الأئمة الآخرين من أهل البيت عليهم السلام، و هذا السبب نفسه الذي دعا أحد السلاطين الذين حكموا في أواخر الدولة العباسية نيابة عن الخليفة الي التراجع عن فكرة تنصيب أحد السادة العلويين خليفة، عندما قال له أحد اتباعه: انك لن تحكم في هذه الحالة و ستكون ملزما بطاعته و اتباع كل ما يأمر به، لأنك أنت أول من اعتراف بشرعية و جوده.

و عندما تولي أميرالمؤمنين مسؤولية الخلافة بعد موت عثمان، فان ما أثير حوله من شكوك و أقاويل، فاق كل ما أثير قبل جلوسه علي كرسي الخلافة اذ أنه تنازل عن حقه ببساطة - مع أنه كان يعرف ذلك الحق بوضوح - في سبيل الحفاظ علي وحدة الأمة الوليدة الناشئة المترعرعة في ظل الاسلام، الذي لم تعرفه الا منذ فترة و جيزة و لم تتعرف عليه كما يجب في ظل ظروف صحية صحيحة، و كان الكثيرون ممن اعتنقوه اسميا و بدوافع مختلفة، علي استعداد للخروج عليه و الوقوف ضده، عند ظهور أول بادرة للخلاف أو الحرب.


و تقبل أولئك الذين رفضوا بادي ء ذي بدء، جلوسه علي كرسي الخلافة، هذا الأمر علي مضض، و حاولوا اعتباره غير متفوق علي من سبقه، بل و طلبوا منه في بعض المراحل أن يسير سيرتهم كشرط لجلوسه علي هذا الكرسي، اذا اعتبروا أن من سبقه كان أفضل منه لا حبا بأولئك السابقين و انما لتعزيز بعض مظاهر الانحراف التي برزت في عهدهم، و جعلها تبدو أصولا متبعة و مقرة من قبل المجتمع الاسلامي كله.

لقد جوبه عليه السلام في مطلع خلافته بالتحدي الساقر من قبل من وقفوا منه بعض المواقف العدائية غير المعلنة في السابق، و بحرب معلنة من قبل طلحة و الزبير و عائشة و جموع قريش، ثم من قبل معاوية و أهل الشام و فئات كثيرة من الانتهازيين و النفعيين و الحاقدين انضمت اليهم بدوافع مختلفة. و قد حاولت هذه الفئات المحاربة له في النهاية و بعد وفاته، و بعد صلح الامام الحسن عليه السلام مباشرة، أن تنال منه و تشوه تاريخه و سمعته الي أبعد حد ممكن. و وصل العداء الصريح و البغض الشديد له و السعار الحانق الي حد سبه سبا مقذعا علنيا من علي منابر المسلمين، و كأنه أحد الخوارج الذين عادوا الاسلام و حاولوا النيل منه، و كأنه لم يمت الي الرسول و الاسلام بأية صلة، لقد كان أحري بتلك الحرب أن تشن علي أعداء الاسلام الحقيقيين و هم نفسهم الذين أصبحوا في مراكز القيادة و الأمرة و التوجيه فيما بعد!!.


پاورقي

[1] الشهيد الصدر - دور الأئمة في الحياة الاسلامية ص 5.

[2] المصدر السابق.