بازگشت

الخوف الحقيقي من كل منافق الجنان عالم اللسان


اننا لا نختلف علي أنها وصلت القمة في العصر الاسلامي الأول لاحتفاظها بزخم الايمان العالي الذي وضعه لها وزودها به القرآن الكريم و الرسول العظيم صلي الله عليه و آله و سلم و عدم قدرة أي شخص أو فئة للخروج السافر العلني لقربه من عهد الرسول الكريم صلي الله عليه و آله و سلم و وضوحه لدي المسلمين و عدم غياب التصور الاسلامي الواضح الذي رسمه رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، ثم ان الانحدار و الضعف (رغم القوة الظاهرية للدولة)، برز حينما طمع أناس بخلافة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم لامامة المسلمين و قيادتهم، و ما كان لهم الا أن يكونوا الأخيرين الذين يدلون بدلوهم في هذا المضمار و يتقدمون الي هذا الميدان لاحتلال المنصب الخطير، لأنهم يفتقرون الي أقل المؤهلات التي تمكنهم من القيام بواجباته و أدائها و ادارتها و لو بالقدر الذي أداه به الخليفتان الأولان بعد رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، و هذا ما رأينا أنه يطلب من كل من يتقدم الي منصب الخلافة (أن يحكم بكتاب الله و سنة رسوله صلي الله عليه و آله و سلم و سيرة الشيخين أبي بكر و عمر.)

هل كان يكفي المسلمين أن تفتح لهم الفتوح و البلدان و تتوسع (ممالكهم) لنقول عن (الخليفة) الذي فتح الفتوح و وسع البلدان أنه قد أدي مهمته حق أدائها؟ و نروح نتساءل: ماذا يريد المسلمون منه أكثر من ذلك؟

فهذا الخليفة يحج عاما و يفتح البلدان عاما آخر، و لا يهم الباقي، و يتعجب الكاتب و غيره اذا ما راح آخرون يتناولون كل الجوانب الأخري لحكم و حياة هذا الخليفة، و يشتد عجبه حينما ينتقدون جوانب هذه الحياة، و يري في ذلك جرأة علي الاسلام نفسه و انتقاصا منه.

كل مظاهر القوة التي يتحدث عنها الكاتب و عديدون غيره من الكتاب الاسلاميين تتمثل بتوسع الفتوحات (التوسع الأفقي اذا جاز التعبير) و اهمال البنية العمودية الأساسية - و هي الاسلام نفسه - و كذلك بمظاهر القوة و العظمة التي يحيط بها الاحكام أنفسهم.

ألا يجوز أن يفسر التوسع في الفتوح بأنه محاولة للتوسع في الملك، و الحصول علي الغنائم الذي يذهب معظمها الي جيب الخليفة نفسه و جيوب أعوانه و أصحابه؟


- كما فسر ذلك بالفعل، و ان الخليفة (الفاتح) يفتح عالما ساقطا متهاويا و منهزما من الأساس، و يقيم دولة علي أعقاب دول و حضارات قد استهلكت و انتهي دورها من خارطة الممالك و الدول القوية؟ و لماذا ننزعج من أعدائنا، حينما يطرحون تصوراتهم في هذا الاتجاه، و نروح ننحاز الي جانب الخليفة المسلم، و نتعصب له اذ أنه أهون و أفضل! من العدو الخارجي المبين، صريح العداوة، و لا نري أنه الذي يقوم بتخريب الدين من الداخل و هو من (أهله) و ان عمله هذا لا يقل بشاعة عن عمل المخرب الخارجي الذي يعلن عداوته و يسن أضراسه و يشهر يسفه و حقده؟ مع أننا قد نستعد للعدو الخارجي بما يلزم من السلاح، و يفوتنا أن نستعد لعدونا المتستر المتخفي و هو منا و بين ظهرانينا، و حسبنا أن نستذكر هنا قول رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم للامام علي عليه السلام: (اني لا أخاف علي أمتي مؤمنا و لا مشركا. أما المؤمن فيمنعه الله بايمانه، و أما المشرك فيقمعه الله بشركه، و لكني أخاف عليكم كل منافق الجنان، عالم اللسان، يقول ما تعرفون و يفعل ما تنكرون) [1] و نعلم أن هذا العدو المتستر بالاسلام، و الذي يبطن غير ما يظهر، و ينافق و يداور و يحاور و يجادل و يحارب في سبيل غاياته و أطماعه و أغراضه خاصة، هو أخطر من كل أعداء الأمة الصريحين المكشوفين.

ان تاريخ الأمة لا يمكن أن يدرس بمعزل عن تاريخ (قادتها و زعمائها)، بل ان منحنيات هذا التاريخ و مساراته و خطوطه لابد أن تتأثثر أكبر التأثر - سلبا أو ايجابا - بهؤلاء القادة و الزعماء، و مستوياتهم و أمزجتهم، بل و حتي نزواتهم و أهوائهم و رغباتهم الشخصية.

و الأمة الاسلامية كغيرها من الأمم، لم تكن مجرد كتلة هلامية ضبابية غير واضحة الشكل، لا تعرف أسس وجودها و مقوماتها، و انما هي - كما تعرف هويتها - تلك الجموع التي تلتف حول الاسلام، أو التي ينبغي أن تفعل ذلك و تجعل منه أساس وجودها و تحركاتها و فعالياتها. فهي الأمة التي تعيش بالاسلام و تنظر بمنظار الاسلام.

ان الاصرة التي أضعفت، بل محت الأواصر القومية و الجذور العرقية و النزعات القبلية و العشائرية، و جعلت هذه الجموع تبدو كأمة اسلامية واحدة لا كأمة عربية أو فارسية أو هندية أو غيرها، ينبغي أن تبرز بشكل واضح، لا من خلال شعارات مرفوعة، و انما من خلال معطيات و ممارسات و أداءات حياتية واضحة.


و اننا حين ننفي تأثير الأسر الحاكمة في الأمم التي حكمتها و منها أمتنا الاسلامية، فاننا نرتكب بذلك غلطة تاريخية شنيعة تدخلنا في متاهة و حيرة، و تبعدنا عن الفهم الصحيح لمجريات الأحداث و مسيرتها. فهذا أمر واقع - تأثير الأسر الحاكمة - و لا يمكن انكاره بأي حال من الأحوال. لذلك فلابد لنا من الاطلاع علي سيرة بعض صناع تاريخنا الاسلامي، كيف حكموا، كيف فكروا، كيف عاشوا، كيف نظروا الي الأمور. لنحكم علي الحوادث التي وقعت فيما بعد، و كان لها أكبر الأثر في أحداث ثورة الحسين عليه السلام الدامية.

و أول من يهمنا الاطلاع علي سيرتهم و حياتهم في هذا المجال، أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام و معاوية بن أبي سفيان.



پاورقي

[1] نهج‏البلاغة 545.