بازگشت

دور الامام مكمل لدور الرسول


ان دور الامام في الأمة الاسلامية مكمل لدور الرسول الامام، و من غير المعقول أن يتصدي لهذا الدور من لا يحمل حدا أعلي من المؤهلات القريبة من مؤهلات حامل الرسالة صلي الله عليه و آله و سلم نفسه، بكل أشكالها و صورها، و ان كان لا أحد يستطيع أن يجاريه مجاراة تامة بكافة المؤهلات التي حملها صلي الله عليه و آله و سلم، و لعل من الغبن الكبير للرسالة و الناس - علي السواء - أن يستبعد من أهل لهذه المهمة، لكي يتولاها من لا يستطيع حملها كمهمة مكملة للدور التاريخي للرسول صلي الله عليه و آله و سلم، فكيف سيكون الأمر اذا كان من يحملها من أبعد الناس عن تلك الشخصية (النموذج) التي عرضت علينا بشكل واضح، و لا زالت سيرتها تتراءي أمامنا كمنهج مكمل لمنهج القرآن الكريم.

و اذا ما حصل أن انقطع دور الرسالة، و انتهي عمر الرسول صلي الله عليه و آله و سلم، فان ذلك يعني انقطاع الدور الذي ينتهي فيه التنزيل، و لكن دور التبليغ و الأداء لا ينقطع، اذ أن دور الامامة الذي ترافق في البداية مع دور الرسالة يستمر و يمتد مع عمر الأمة طالما أنها توجه ظروفا و أحداثا و مستجدات حياتية مختلفة ليعالج كل متغيرات الحياة و ملابساتها و مشاكلها المستجدة علي مر الأيام.

ان تصوير الأمور بالشكل الذي بدا لبعض الناس فيه أن لقريش حقوقا مكتسبة باعتبارها من سلالة ابراهيم عليه السلام عن طريق ابنه اسماعيل عليه السلام، كما كان بعض أهل الكتاب يعودون بنسبهم اليه عن طريق اسحاق عليه السلام، و ترتيب حقوق اضافية علي هذا الأساس و سلطانا مكتسبا لهذا السبب فقط، و قوامة علي الناس و فضلا و شرفا، أمر غير مبرر علي الاطلاق، اذ أن المؤهل الوحيد لنيل الفضل و الشرف و القوامة، و نيل درجة الامامة التي هي جزء متمم لدور الرسالة، و مكمل لمسيرتها عند انقطاعها، لا يناله الا من استحقوه عن جدارة.

و هذا الاستحقاق يتمثل بالاستجابة التامة للرسالة و تحملها بكل ما تحفل به من قيم و تصورات، و ان أي انحراف أو ميل عنها، مهما تكن التبريرات يعني عدم استحقاق من ينحرف أو يميل عن شرف الانتماء الي الاسلام أصلا، ناهيك عن مركز الامامة أو الخلافة الرفيع، طالما أن المرء قد تصدي للقيام بهذا المركز الرفيع، فما لم يكن الاسلام هو الحاكم، و ما لم تكن الاستجابة له تامة دون تحفظ، و ما لم يتمسك به أولئك الذين يريدون (استثمار سلطانه) عن ايمان و قناعة، فلا معني للسلطان الذي يدعونه لأنفسهم، و لا معني لطلبهم أية حقوق أو امتيازات علي أساس قرشيتهم


و انتسابهم لابراهيم عليه السلام، و لهذا جاءت مقالة أميرالمؤمنين عليه السلام لأهل المدينة موضحة هذا الأمر الدقيق (ان في سلطان الله عصمة أمركم، فأعطوه طاعتكم غير ملوية و لا مستكره بها. و الله لتفعلن أو لينقلن الله عنكم سلطان الاسلام ثم لا ينقله اليكم أبدا حتي يأزر الأمر اليها..) [1] .

فقد كان سلطان الله فيهم طالما كانوا محافظين علي الاسلام، و حملوا تصوراته و قيمه، فهو الضمانة الوحيدة لعصمة أمرهم و منعتهم، و جعلهم يظلون في المقدمة، كما أن ابتعادهم عنه يعني فقدانهم المؤهل الوحيد لتوحيد شملهم و قوتهم، و الا فهو منقول الي غيرهم.

ان هذه الأمة قد استحقت (وراثة هذه الأمانة، دون ذرية ابراهيم جميعا، بذلك السبب الوحيد الذي تقوم عليه وراثة العقيدة، سبب الايمان بالرسالة، و حسن القيام عليها، و الاستقامة علي تصورها الصحيح) [2] .

ان هذا التصور الصحيح للرسالة قائم علي التوحيد و هو (الاعتقاد بوحدانية الخالق في الألوهية، و عدم وجود شريك له في الربوبية و اليقين أنه هو المستقل بالخلق و الرزق و الموت و الحياة، و الايجاد و الاعدام، بل لا مؤثر في الوجود الا الله، و لا تجوز العبادة الا لله وحده لا شريك له، و لا تجوز الطاعة الا له.) [3] .

لقد قام القرآن الكريم، ببناء التصور الاسلامي، علي أسس واضحة بينة، و أكد علي مسألة الوحدانية بشكل رشيق رقيق، يخاطب الفطرة الانسانية السليمة المؤهلة لعبادة الله و الاستجابة التامة له.

ان البساطة الكبيرة و الوضوح الخارق الذي يتعامل به القرآن الكريم، بخصوص هذه المسألة، أمر اختص به هذا الكتاب المعجز المبين المنزل، و تكاد آياته، تخاطب الفطرة الانسانية خطابا مباشرا قريبا، مفهوما منسجما معها و مع كل تطلعاتها المشروعة السليمة، و مع كل ما تحفل به من ارتفاع و سمو فما ارتفاع و سمو


الروح الالهية التي نفخها في الانسان.. و من تدن و هبوط الي التراب الذي خلق منه هذا الانسان (اذ قال ربك للملئكة اني خلق بشرا من طين فاذا سويته و نفخت فيه من روحي فقعوا له سجدين) [4] .

لم يتعامل القرآن الكريم مع انسان (مثالي) تميز بصفات ملائكية و حسب، غير موجود علي أرض الواقع، و انما تعامل مع انسان يحفل بالغرائز و الرغبات و النزعات المتباينة المتناقضة، و قد جعل القرآن - ضمن مهماته - أن يوظف هذه الغرائز و الرغبات و النزعات لمصلحة الانسان و تنظيم حياته، بشكل يوحد في حسه طريق الدنيا و الآخرة و يضمن له خيرهما، و تظل هذه المهمة دائمية متواصلة لا تنقطع في زمن معين، و لا تصل الي هذا الانسان عن طريق كهنة أو أحبار أو سدنة، و انما تظل تخاطبه بشكل مباشر سريع.


پاورقي

[1] الکامل في التاريخ - م 3 ص 95.

[2] في ظلال القرآن م 1 ص 105.

[3] أصل الشيعة و أصولها - محمد الحسين آل کاشف الغطاء - النجف الاشرف 1350 ه، ص 106.

[4] ص 72 - 71.