بازگشت

من المؤهل للامامة


و لم ينل هذا العهد - عهد الامامة و القيادة للأمة - الا من امتاز عن غيره بمؤهلات نادرة لم يمتز لها غيره فاستحق أن يتحمل مسؤولية الرسالة العظيمة، التي لم يستطع الآخرون حتي من الذين شاركوه في النسب و شرف المحتد أن يحملوها، بل أن الأمر قد ذهب الي أبعد من ذلك - بالنسبة الي الرسول صلي الله عليه و آله و سلم - اذ أن بعض من يمت اليه بقرابة وثيقة مثل أبي لهب، و معظم عشيرته قريش - قد شنوا عليه حربا شعواء، و لم تؤازره منهم الا القلة القليلة كأبي طالب و حمزة.

فالمسألة اذا ليست مسألة قرابة أو نسب بحت، و حتي اذا ما نوقشت هذه المسألة، و تعرضنا فيها الي هذا الجانب، فاننا ينبغي أن نتناوله علي أنه ليس الجانب الوحيد الذي يتيح حقوقا استثنائية في مجال الخلافة أو الولاية.

انها ينبغي أن تناقش علي الأساس التالي:

من هو المؤهل لحمل دور الخلافة علي هذه الأمة، و تأديته بصورة قريبة من الصورة التي كان يؤديه بها رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، و بأسلوب أقرب الي أسلوبه؟ بغض النظر عن قرابته منه صلي الله عليه و آله و سلم، أو مركزه في قريش أو في العرب...؟ و اذا ما حصل و وجدنا هذا (المؤهل)، فما الذي جعله لائقا بهذا المركز القيادي المهم؟ بغض النظر عن علاقة النسب التي تشكل سببا مضافا لأسباب احترامه و تقديمه اضافة لمؤهلاته الأخري؟

ان الذي يجعله لائقا و مؤهلا هو حمله تصورات اسلامية نقية صافية غير مشوبة


بأي تصور أو سلوك جاهلي، اذا أن من شأن ذلك أن يجعله لا يري سوي الاسلام و سوي الله، و لا يقيم اعتبارا لأيد قيم جاهلية لتطفو علي سطح تصرفاته. لابد أن يتنفس هواء الاسلام صافيا، و لابد أن يكون قد نشأ في زمن الاسلام و لا يحمل خليفة جاهلية، لأن في ذلك ضمانا له و عصمة من الانزلاق و الخطأ، كما هو الأمر مع رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم نفسه، مع أنه معصوم بالرسالة و مؤيد بالتسديد الالهي، الا أننا نري أن طبيعة الحياة التي عاشها قبل نزول الرسالة، كانت تجعل منه (أمة) مستقلة منفردة عن أمة العرب الجاهلية التي كان يعيش في وسطها، فكأنه كان منعزلا عنها بقوة غير اعتيادية لم تتح لأوبئتها و هوائها الوخيم أن يتغلغل في رئتيه. لقد تكفل به الله سبحانه فأوجد له حياة خاصة فسيحة تقيه أمراض الجاهلية و أدرانها، كما تكفل هو باعداد من أرادهم أن يكملوا شوطه و مشواره فيما بعد.

و اذا فعلينا أن نؤكد الحقيقة المهمة و هي ان علي من يحكموا باسم الاسلام خلفاء و أمراء للمؤمنين أن يحكموا هذا الدين نفسه، و أن تجسد تصرفاتهم التصور الاسلامي النقي غير المشوب بأي تصور آخر يهمل البعد الرابع - كما سماه الشهيد الصدر - أو ينساه أبدا، و هو المستخلف أو الله سبحانه، و ان الانسانية المستخلفة المستأمنة علي الكون و الحياة ينبغي أن تعي دورها علي ضوء السنن الالهية الواردة في القرآن الكريم، و أن تتمتع بدرجة عالية من الاستيعاب و الفهم و التدبر. اذ أن اهمال أي سنة الهية يعني تعطيل البعد الرابع - الأساس - و الالتقاء مع النظرات الأرضية البحتة، الفرعونية غالبا، و التي لا تري الله يدا في عملية خلافة الأرض و عمارتها.

و لم تكن الخلافة مجرد عمل أنيط بالانسان كامتياز، لأنه أكثر المخلوقات علي هذه الأرض مؤهلات و قدرات لأداء أدق الأعمال و أخصها بوعيه و ارادته، لكنه عمل اؤتمن عليه لهذه الأسباب نفسها أن (هذه العطية الربانية، كانت تفتش عن الموضع القابل لها في الطبيعة) [1] و لذلك فان الله - سبحانه - بين لهذا الانسان بأن هذه المهمة ليست امتيازا أو عطية ربانية دون شروط، بقدر ما هي أمانة ثقيلة عليه أن يتحلي بقدر كبير من الصبر و المثابرة و الجلد لكي يحافظ عليها. (انا عرضنا الأمانة علي السموات


و الأرض و الجبال فأبين أن يحملنها و أشفقن منها و حملها الانسن انه كان ظلوما جهولا) [2] فالأمانة هي الوجه التقبلي للخلافة، و الخلافة هي الوجه الفاعلي و العطائي للأمانة. الأمانة و الخلافة عبارة عن الاستخلاف و الاستئمان و تحمل الأعباء) [3] انها ليست مجرد تكريم بالصيغة المطلقة غير المقيدة، و التي قد تفسر بأنها امتياز خاص أو منحة، بقدر ما هي مسؤولية ثقيلة لحمل الأمانة بشكل مشرف لابد أن يخرج منه الانسان بسلامة في نهاية المطاف و لا يغضب الخالق الذي عهد بها اليه و ألزمه بشروط يضمن بها قيامه بدوره علي أكمل وجه باعتبار أن (هذه العطية الربانية كانت تفتش عن الموضع القابل لها في الطبيعة) [4] مع أن هذا (الموضع)، هو الانسان.

قد لا يتحمل هذه الأمانة، بل و يتحدي السنن الالهية التي أرادته أن يكون متوافقا معها و رهن اشارتها أن يكون علي أهبة الاستعداد دائما لحملها بشكل صحيح... اذ أن ذلك يرتب عليه معرفة الذين القيم، الذي جاء من عند الله، فهذا الدين وحده - اذا ما توجه اليه الانسان بشكل صادق - هو الضمانة الوحيدة التي تمكنه من حمل هذه الأمانة و تجنب المنزلقات و الانحرافات التي قد يتعرض لها، فلا معني لايجاد أي مبرر لكونه (قيما) علي الناس ليتحكم في حياتهم و مصائرهم و أموالهم، عندما يتخلي عن هذا الدين صراحة. ان عليه اذا ما فعل ذلك أن يبين ذلك بصراحة أكبر و لا يجعل من الدين مجرد غطاء يبرر شرعية وجوده و (قيومته) و امرته علي الناس.

ان الانسان الخليفة المؤتمن، هو أحد أطراف هذه المعادلة الرباعية المنسجمة، و اذا ما أخذ دور أحد هذه الأطراف الأخري أو ألغاه، فانه بذلك قد ألغي كل هذه المعادلة، و أبرز نفسه كعامل طاري ء أو غريب عنها، و أصبحت مهمة الآخرين الذين قبلوه ما دام يحافظ علي توازناتها وفق المشيئة و الارادة الالهية، أن يرفضوه الآن،


و أصبح واجبهم الشرعي اجباره علي التخلي عن المهمة التي يعجز عن القيام بها و يوظفها لمصالحه و غاياته الخاصة وفق هواه و رغبته.

اذ كيف حصل أن زيدا من الناس أصبح هو (القيم) بدل هذا (الدين القيم) هل تم الأمر برغبة الناس كلهم و باختيار عام له؟ هل نال الأمر بالوراثة؟ هل نزل فيه كتاب أو وحي؟ هل له رسالة خاصة يحملها؟ و من حمله هذه الرسالة؟


پاورقي

[1] المدرسة القرآنية ص 133.

[2] الأحزاب 72.

[3] المدرسة القرآنية ص 133 - 132 و قد أوضح أميرالمؤمنين عليه‏السلام ثقل هذه الأمانة بقوله: (ثم أداء الأمانة، فقد خاب من ليس من أهلها. انها عرضت علي السماوات المبنية و الأرضين المدحورة، و الجبال ذات الطول المنصوبة، فلا أطول و لا أعرض و لا أعلي و لا أعظم منها. و لو امتنع شي‏ء بطول أو عرض أو قوة أو عز لامتنعن، و لکن أشفقن من العقوبة و عقلن ما جهل من هو أضعف منهن و هو الانسان (انه کان ظلوما جهولا) نهج‏البلاغة 459.

[4] نفس المصدر.