بازگشت

الخلافة قضية قديمة حديثة


استأثرت المباحث الخاصة بالخلافة، و التي غالبا ما كانت مثال خلافات و نزاعات بين (الأطراف المعنية)، أو التي تري نفسها معنية، مع أنها قد لا تكون كذلك - و خصوصا الآن - لتقادم العهد و انقضاء تلك الحوادث و عدم تأثيرها الفعلي الواقعي علي الحياة العادية للمجتمعات الراهنة، و قد لا تكون هذه الحياة كذلك أيضا الا بعد أن تأثرت بهذا الموقف أو ذاك و قد يكون ذلك بحكم الأجواء التي عاشتها و لعبت فيها الآراء المسبقة للآباء و الأجداد دورها. اذ وجد كل واحد نفسه في جو يتبني موقفا معينا، فتبناه بدوره، بحكم التأثر و العلاقة الحميمة مع الأهل و الوسط، فلم يزد عمله الا علي ترسيخ وجهات النظر المتبناه مسبقا، و دحض وجهات النظر المغايرة.

استأثرت هذه المباحث باهتمامات المؤرخين و النقاد و الباحثين المسلمين، و غيرهم أيضا، مع أن غير المسلمين و غالبيتهم من المستشرقين - حاولوا في الأغلب - من خلال الايحاء بموضوعيتهم و حيادهم و علميتهم تصوير بعض الأمور - ذات الأهمية الثانوية، و كأنها من قضايا الساعة المهمة التي لا يمكن العيش دون حسمها، و دون الوقوف موقف النزاع و التأهب للجدال و الخصومة (مع الطرف الآخر). و أججوا علي أساسها نزعات طائفية مقتية، لم نجن نحن منها سوي المزيد من الفرقة و الاختلاف، و تبني المواقف المتحيزة المتجنية أحيانا.

لقد وجد كثيرون، ممن درسوا التاريخ، أن الأمور سارت مسيرتها المألوفة، و تقبلوا سير الحوادث و الأمور، كما وقعت بالفعل، و اتخذوا - في أغلب الأحيان - نفس المواقف الرسمية و وجهات النظر التي وقفها و اتخذها من كان طرفا في تلك الحوادث علي مر الأزمان، و من كتب تاريخها. مع أن أغلب أولئك المؤرخين كانوا يكتبون ما يوافق نزعات و مصالح الحكام (الخلفاء).


كما أن كثيرين منا- عندما نشأوا في هذه الحياة، وجدوا الأمور في واقعها الحالي، فهناك من يحكمون، و هناك من يؤلفون حلقات متعددة الأهمية و القرب من أجهزة السلطة الحاكمة، و هناك من يشكلون الأغلبية من المحكومين، الذين تتفاوت مراكزهم و ثرواتهم و أحوالهم المادية و الاجتماعية. وجدوا القوانين التي وضعتها الحكومات (لحمايتهم) في الظاهر، مع أنها قد لا تكون الا لحماية هذه الجهات الحاكمة نفسها، و وجدوا المؤسسات الضخمة الفخمة، العسكرية و السياسية و الادارية و المالية و غيرها تشكل دروعا لهذه الأنظمة.