بازگشت

لو عرف السبب معاوية: دهاء أم غدر


لقد حاول معاوية جر المسلمين للخلاف حول هذا الموضوع الشائك، أو الذي أراد هو أن يكون شائكا، ونجح في ايقاع العديدين في الفخ الذي نصبه لهم.

ان من يدافع عنهم معاوية قد يكونون في نظر البعض مثله تماما، و قد راح هذا البعض في غمرة دفاعهم عن موقف الامام عليه السلام من الخلافة - و هو موقف معروف - و في غمرة تبنيهم موقفه في الصراع مع معاوية يأخذون علي معاوية تصرفاته و يؤاخذونه بها و يقفون موقفا سلبيا من كل من أراد ايهام الناس أنه يقف في صفهم - و هم الخلفاء الثلاثة -.

و راح آخرون في غمرة دفاعهم عن الخلفاء، يبررون موقف معاوية، و يدافعون عنه و يرون أن حقه في الخلافة لا يقل عن حق أبي بكر و عمر و عثمان، ما دام قد نال (اجماع المسلمين) و تأييدهم و بيعتهم.

و في غمرة هذه (المعركة) المزعومة مبين علي عليه السلام و من سبقه من الخلفاء، و التي حاول معاوية عرضها بأسلوب تحريضي ضد علي عليه السلام، أخذ معاوية بالتقليل من شأنه الي درجة أنه جعل سبه علي المنابر سنة سار عليها من جاء بعد معاوية من المتخلفين الأمويين، و قد حاول اخفاء الأحاديث و الروايات و الأخبار الخاصة بفضل علي و آل بيته عليهم السلام، (المشوهة) للامام عليه السلام، بل عرضه (كمحرض) مباشر علي قتل عثمان، و وضع قميصه في أحد مساجد دمشق و اتخذه ذريعة للمطالبة بدم الخليفة المقتول، و الذي كان هو أحد الأسباب الرئيسية المباشرة في قتله، و صور اتباع الرسالة المحمدية الحقة و الذين عرفوا لأميرالمؤمنين عليه السلام حقه بأنهم (شيعة) خاصون بعلي، و أن مذهبهم قام علي تعاليم بثها (عبدالله بن سبأ) اليهودي، مع أن هذه الشخصية مزعومة و لا وجود لها علي الاطلاق.

لقد نجح معاوية بنقل المعركة بين المسلمين و أعدائهم، و جعلها تدور بينهم، ليكون هو (المستفيد) الوحيد من نتائجها، و يشن حملة اضطهاد و ابادة واسعة لتصفية كل من يعتقد ولاؤه لعلي عليه السلام، و قد أوهم الكثيرين ممن انحازوا اليه عن وعي أو دون وعي أنهم يخوضون معارك مبدئية لابد لهم من خوضها، ضد خصومهم أشياع علي عليه السلام و خصوم خلفائهم المنتجبين الذين نالوا تأييد و اجماع الأمة و المختارين من قبلها، بما فيهم معاوية بالطبع، و حتي أولئك الذين لا يستطيعون أن ينالوا من أمير


المؤمنين عليه السلام أو ينقدوا مواقفه الواضحة، يترددون عند استعراض مواقف معاوية و يرون أنه اجتهد و سار وفق اجتهاده كما يفعل ابن خلدون و كثيرون غيره، ممن خدعوا بمعاوية، مع أنهم حسبوا أنهم من الأذكياء و ان ما طرحوه كان خلاصة لآرائهم و تجاربهم [1] .

و طبيعي أن نقل (المعركة) بهذا الأسلوب الماكر، يولد رد فعل عنيف لدي الكثيرين من البسطاء الذين يأخذون الأمور بظواهرها، فيكون رد فعلهم كما يريده من فعل ذلك و جعل المعارك تدور بين المسلمين أنفسهم، و هو معاوية، السياسي الداهية الماكر، ليكون رد الفعل علي السباب و الشتائم هو السباب و الشتائم المقابلة. لقد أذكت هذه الحالة التي أوجدها معاوية و مهد لها - كما سنين ذلك فيما بعد في فصول هذا الكتاب - أكبر نار للفتنة لا يزال أوادها مشتعلا ليومنا هذا مع الأسف، و لم ينتبه اليها الكثيرون الذين حسبوا في غمرة الوهم و التعود علي المواقف الخاطئة و التبني المسبق لها و لبعض التصورات الخاطئة و القاصرة أيضا، انها مواقف (خلافية)، لابد من تبني دور الطرف (المحق) فيها لابعاد (أعداء الاسلام) و قمعهم و ابادتهم و انها من القضايا الضرورية التي لا يجوز السكوت عنها، و أنها كانت من قضايا الساعة المهمة قبل معاوية، و بايعاز مباشر منه، فراح كثيرون في غمرة خوض هذه المعركة (المقدسة) و في معرض (الدفاع) عن الخلفاء الراشدين ينالون من هؤلاء الشيعة الأعداء، و من امامهم، بالضبط كما خطط معاوية و أراد.


پاورقي

[1] (... و ان کان المصيب عليا، فلم يکن معاوية قائما فيها بقصد الباطل، انما قصد الحق و أخطأ. و الکل کانوا في مقاصدهم علي حق ثم اقتضت طبيعة الملک الانفراد بالمجد و استئثار الواحد به و لم يکن لمعاوية أن يدفع عن نفسه و قومه فهو أمر طبيعي ساقته العصبية بطبيعتها و استشعرته بنوامية) - مقدمة ابن خلدون - ص 227.

هکذا يبرر ابن خلدون قيام معاوية بالاستئثار بالأمر لنفسه و تفسيره بأنه أمن تقتضيه طبيعة الملک و أنه من دافع العصبية التي استشعرتها بنوامية... و کأن هذه المبررات، اسلامية مشروعة لا تتقاطع مع مفهوم الخلافة کما جاء به الاسلام...