بازگشت

فهم الملابسات أيضا


سنحاول - في غضون هذا الكتاب - التنبيه الي الملابسات التي جعلت الأحداث، تتخذ مساراتها الخاطئة المعروفة، و التي أدت الي قيام هذه الثورة في النهاية، هذه الثورة التي استهدفت تصحيح هذه المسارات علي مر السنين، فقد عملت علي ايقاظ و استفزاز و تحفيز النفوس التي أصابها الخدر و اليأس و اللامبالاة عند ما تري أمامها واقعا معاشا متقاطعا و متعارضا مع القيم التي ينادي بها الجميع الا أنهم لا يحلونها محلا عمليا في حياتهم و سلوكهم العام.

ان الصراع، كما بدا من مجربات الأحداث، لم يكن بين فئتين من المسلمين، لهما نفس المؤهلات و الصفات و نفس التصور و التوجه، و انما كان صراعا بين تصورين أو عقلتين مختلفتين، تنظر كل منهما الي الاسلام و الي الخلافة و الحكم، نظرة خاصة تباين النظرة الأخري، و من هنا جاء التباين في سلوك أفراد الفئتين و تصرفاتهما للأخذ بزمام الأمور، و من هنا نري سبب التصرفات اللامبدئية التي اتخذتها الجبهة الأموية و التصرفات المبدئية المسؤولة التي وقفتها الجبهة المحمدية العلوية، اذا صح التعبير، لأن جبهة علي عليه السلام و من جاء من بعده من الأئمة الأطهار، تمثل خط محمد صلي الله عليه و آله و سلم، و خط الاسلام الصحيح، كما لابد أن يدرك ذلك الجميع دون محاولة للتجني علي الجبهة الأموية أو (المعاوية) التي اخترقت الاسلام و هتكت حرمه و تقاليده و قوانينه.

كما سنحاول - بعون الله - أن نجيب عن العديد من التساؤلات بخصوص حوادث التاريخ الاسلامي و ملابساته، من خلال طرح هذه الثورة علي بساط البحث و التحليل البعيدين عن النظرة العاطفية المتحيزة، مع تبيان الضرورة التي استدعت قيامها، و أثرها في رسم معظم مسارات الأحداث المهمة التي تلتها، و التي شكلت - و لا تزال - منعطفات مهمة في مسيرة الشعوب الاسلامية في مختلف بقاع الأرض، حيث أنها تفاعلت مع الضمير الانساني الحي و وجدت لها صدي واضحا في هذا الضمير الذي لابد أنه يتطلع بشغف الي القيم العليا التي حفل بها ديننا الاسلامي الحنيف.


و تبقي أسئلة كثيرة نحاول أن نجد لها أجوبة بين سطور هذا الكتاب، هل أن هذه الثورة، ثورة شيعية؟ اذ أننا نري الشيعة أمامنا يحتفلون باحياء ذكراها كل عام و يستحضرون مواقفها و جوانبها و المأساوية منها علي الخصوص، في مجالسهم و من علي منابرهم. فهل أن فضلها و عطاءها عم الشيعة وحدهم دون غيرهم؟ و هل ينبغي لنا أن نفكر بها و نستعرضها من خلال الأطر الضيقة و (الاختلافات) أو التصورات المذهبية المحدودة؟ أم ضمن الاطار الاسلامي الواسع الشامل؟

لا شك أن (ثورة الحسين) تشكل مثلا أعلي لكل الثائرين علي الظلم و الباطل و الانحراف، ينهلون من عطائها و يستحضرون كل ما حفلت به من معان كبيرة، و خصوصا في هذا العصر حيث يعلو المد الاسلامي و تتصاعد الصحوة الاسلامية متحدية كل التيارات التي ظلت مسيطرة علي الساحة و حكم بعضها باسم الاسلام وادعت تمثيلها له، ماذا يضع الثائرون الآن أمام أعينهم، و هم يتحدون النموذج الأموي اليزيدي الذي يبرز الآن باشكال و صور مختلفة..؟ لماذا يخوضون معارك غير متكافئة، و لا سلاح لديهم في معظم الأحيان سوي الايمان الذي يجيش في صدورهم، و سوي الاقتناع المطلق بقدرة الاسلام علي السيادة و الحكم، و هل يطمح أي منهم باستلام السلطة و الحكم لنفسه و لتحقيق مكاسب خاصة؟ أم أنه يقنع، بل يفرح - حتي و ان استشهد - و ينام قرير العين ان استقامت الأمور للاسلام و ليكن الحاكم من يكون، ما دام سائرا علي كتاب الله و سنة رسوله صلي الله عليه و آله و سلم.

من هو الأقرب لهؤلاء الثائرين (مهما كانت انتماءاتهم المذهبية) الحسين؟ و هو يحمل أصالة الاسلام و روحه و صدق مبادئه؟ أم الحكام الذين ينتسبون - اسميا و في بطاقة الميلاد الي أحد تلك المذاهب؟ لماذا ثار الحسين علي يزيد؟ و لماذا يثورون - هم - علي النماذج و الوجوه الأخري ليزيد؟ أليس الهدف واحدا؟

و لو أنهم الآن قد نجحوا في مسعاهم، أكانوا يقبلون بشبيه ليزيد علي كرسي الحكم؟.