بازگشت

حتي ابن زياد طمع في الخلافة


و من الطريف قيام عبيدالله بعد وفاة يزيد بدعوة أهل البصرة لمبايعته [1] هذا ما سنتطرق اليه في حينه، لقد رأي نفسه مؤهلا ربما أكثر من يزيد لهذا الأمر، و ما دام يزيد قد أفلح في مسعاه و أصبح خليفة، فلماذا لا يفلح هو.

تري لو أن الأمر استقام لابن زياد فعلا بعد وفاة يزيد و نجح في مسعاه و جلس علي كرسي الخلافة، ألا يروح الكثيرون من (فقهاء الدولة) و (علمائها) و (محدثيها) و (قصاصها) يطبلون له و يزمرون و يدعون الي مبايعته و عدم الخروج عليه، أو المفتراة و الملفقة، لا يفعلون ذلك أيضا لو أن الأمر استقام للحجاج و أصبح هو المتخلف عن المسلمين، بدلا عن عبدالملك أو الوليد. ألم يفعلوا ذلك لعبد الملك و الوليد و يزيد و غيرهم من رموز الدولة الأموية بعد أن (استقام) لهم الأمر.

انك تري المعركة بين الاسلام و بين أنظمة الحكم المتسترة و المبررة بالشرعية، و امتناع الأمة و تحريم الخروج عليها تحريما يوجب القتل لمن يقوم بذلك، تلوح بأشكال مختلفة، و تري بروز المقولات و الأطروحات و الافتراءات الأموية القديمة، ثانية و في كل مرة تتعرض فيها هذه الأنظمة لغضب الجماهير و نقمتها، انها تبرر اللجوء الي نفس الأساليب الأموية القديمة (كالأخذ علي الظنة و الشبهة و أخذ القريب بالبعيد و الولي بالولي و الخلي بالمذنب...) بحجة الكيد للأعداء و قطع دابر الفتن و خشية افتراق الكلمة، و بحجة التحوطات و التدابير الأمنية المسبقة، مع أن تعليمات الاسلام قاطعة بشأن الظنة و الشك و الشبهة.


ان هذه الأنظمة تبرر هذا (الحق) باللجوء الي مختلف الأساليب غير الشرعية، (بالشرعية) نفسها. انها لا تريد فسح المجال لثغرات قد تتسع أمامها فلا يعود بوسعها أن تسدها أو تسيطر عليها، فمهمة الحكم المجرد من المبادي ء لا تمنع من اللجوء الي أي وسيلة (مناسبة) لتوطيد أركانه و بسط نفوذه، و هكذا يجد له في كل مرة يخرج فيها عن المألوف أو عن الحدود الشرعية المعروفة من يبرر له عمله، بل و يزينه و يعرضه علي أنه العمل المشروع الوحيد الذي لا بد من القيام به.

و من هنا و جد يزيد الجرأة علي قتل الحسين و أصحابه عليهم السلام، و من هنا جاء الاهمال المبيت - فيما بعد - لثورته و التناول المائع الرخو لها و لآثارها و نتائجها، و كأنها حدث عابر مر و انقضي، ثم لم يعد يذكر الا في معرض ذكر الحقبة التاريخية التي وقع فيها، و لم يستعرضها الكثيرون كحركة كبري أنقذت الاسلام حقا، و أعادت اليه نضارته و بريقه و حيويته، بعد أن جرت حملة دؤوبة لمنعه من أخذ دوره القيادي الواقعي من قبل نفس اولئك الذين وقف آباؤهم ضده صراحة و أعلنوا الحرب عليه، و وقف أبناؤهم - بعد أن اندسوا بين صفوف أبنائه - لتنفيذ نفس المخططات اللئيمة الغادرة و لكن بأساليب مستحدثة أتاحها لهم مركزهم الممتاز بعد تولي معاوية (الخلافة).

ان من المخجل حقا أن يمسك بزمام القيادة الاسلامية نفس أولئك المتعصبين ضد الاسلام و الذين نذروا أنفسهم للتصدي له و محاربته منذ بداية ظهوره، و لعل هذه المهزلة الكبيرة التي عاشها المسلمون و شهدوا فصولها و أحداثها المثيرة هي التي عززت من حالة الامبالاة و الاهمال الكبير في نفوسهم حيال ما يحدث من أمور جسام حينذاك، و جعلتهم لا يصمدون في معركة الباطل تلك ضد الحق، و لا يبالون مع أي معسكر يقفون، ما داموا قد رأوا أن أهل هذا الباطل - و بعد تيقنهم من أنهم أهل هذا الباطل حقا - يوظفون الأمور لصالحهم، مع وجود الأعداد الغفيرة من المسلمين، و من الصحابة بالذات، من الذين شهدوا عهد رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و عاشوا معه و سمعوا أحاديثه و تمتعوا بسيرته الوضاءة، و بالشكل النموذجي للحكم الاسلامي الأصيل، و ها هم الآن يلمسون مدي الانحراف الذي وصلته السلطة الأموية الغاصبة، و التشويه و الافساد الشديدين للنموذج الأصلي؛ القدوة، الذي عاشته الناس في عهد رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، القريب نسيبا من عهدهم، و ربما بدعم من بعض أولئك الذين حسبوا من عدد الصحابة، كمعاوية نفسه الذي نسبوا اليه أنه كان أحد كتاب الوحي.


و لابد أن يستمر هذا الموقف المهمل لهذه الثورة العظمية و دورها الكبير، بل لابد أن تقوم الحرب ضدها مرات و مرات، وضد كل نموذج مشابه لها، ما دام الأمر قد أخذ علي أنه صراع علي السلطة و الحكم، و ما دامت قد أعطيت المبررات الكافية لأي نظام متستر بالاسلام و شرعيته، للتصدي لأي تحرك اسلامي حقيقي، حتي لو كان مثل ثورة الحسين و يحمل نفس أهدافها و مضامينها.


پاورقي

[1] الکامل للمبرد - لأبي العباس محمد بن يزيد المبرد النحوي / دار الفکر - بيروت ج 3 ص 158.