بازگشت

كتاب الدولة و وعاظ السلاطين


لقد وجدنا من ذكر - كما روت لنا كتب التاريخ المختلفة، و التي يكاد بعضها يروي عن بعض و يستنسخ نفس الأقوال و الروايات - أن كثيرين قد حاولوا اقناع الحسين عليه السلام بالعدول عن الذهاب الي العراق و الثورة علي يزيد، اذ أن ذلك كان يعني الموت المحتم له و لأصحابه.

و من هؤلاء الذين حاولوا اقناعه بعض من يمتون اليه بصلات وثيقة من القرابة أو النسب أو الصداقة، و بالتأكيد فان هؤلاء يحرصون علي حياته، أي أن دعواتهم لبقائه كانت (صادقة) حريصة مخلصة.

لقد كان الأمر يبدو - في ايجاء مدروس، للقاري ء و المتابع لفصول الحوادث - و كأنه أمر حكم يريد الحسين انتزاعه من يزيد أو أنه نزوة أو رغبة محمومة في رأس انسان مغامر رأي أمامه فرصة للحكم و السلطان، و أنه - حينما لم يستجب لنصائح المحذرين العقلاء و بعضهم من أقاربه و أصدقائه، و لم يقعد كما قعدوا - فانه المسؤول الوحيد عن ذهاب نفسه و (ضياعها) و قتل أصحابه و نهب ثقله و متاعه و أذي صبيته و نسائه.

ان أية ثورة مماثلة - مهما بلغ أصحابها من علو الشأن و المكانة و المنزلة، ستفسر علي أنها نزوة أو مغامرة طائشة تستهدف تفريق الأمة و تشتيت وحدتها. انها التلويح المسبق لكل ثائر محتمل، أن ثورته لن يقضي عليها و حسب، بل و ستفسر


أسبابها و دوافعها بمثل ما فسرت به دوافع تلك الثورة الأولي، و هذا ما حصل بالضبط علي مر العصور، و هذه مفردات الحوادث تروي لنا ذلك [1] .

لقد فات هؤلاء أن من ينتهج درب تلك الثورة الأولي، يبتهج حقا و يفتخر اذا ما فسرت دوافعه بمثل ما فسرت به دوافع الحسين و أصحابه، و قد لا يهمه محاولات تشويه صورته بعد أن قدم نفسه و بذلها في سبيل الاسلام.


پاورقي

[1] و ربما برر قمعها بما بررت به أعمال (الخلفاء الأمويين) مثل مروان و عبدالملک، حتي في ضرب هذا الأخير الکعبة، يقول ابن خلدون في المقدمة (دار الجيل - بيروت) ص 228 (و کذلک کان مروان بن الحکم و ابنه و ان کانوا ملوکا لم يکن مذهبهم في الملک مذهب أهل البطالة و البغي انما کانوا متحرين لمقاصد الحق الا في ضرورة تحملهم علي بعضها مثل خشية افتراق الکلمة الذي هو أهم لديهم من کل مقصد...) و يقول ابن العربي في کتابه (العواصم و القواصم):

(ان الحسين قتل بشرع جده) - نفس المصدر ص 240. و سنطلع علي العديد من هذه الأقوال المماثلة عند استعراض بعض فصول هذا الکتاب.