بازگشت

النموذج الأموي السائد يدافع عن النموذج الأموي الأول


لقد حكم الدولة الاسلامية شخص (مسلم) بالاسم فقط، و كل ممارساته و أفعاله دلت علي أنه كان بعيدا عن الاسلام، بل و كان معاديا له، جسد ذلك سلوكه الفاضح و تصرفاته المعلنة التي لم يحاول اخفاءها و التعتيم عليها، لقد حكم باسم الاسلام مدعيا أحقيته بخلافة رسول الاسلام صلي الله عليه و آله و سلم، أي أنه ليس مجرد شخص من المسلمين، بل هو أميرهم، بل (أميرالمؤمنين)، و لنلاحظ ما تعنيه كلمة (المؤمنين) و ما تحفل به من معان كبيرة.

ماذا تصبح المسألة الآن أمام أولئك الذين يعرفون الاسلام معرفة حقة، و يعرفون الرسول صلي الله عليه و آله و سلم معرفة تامة، و يرون أمامهم هذا (الخليفة) المسخ الذي يجلس علي منبره و يدعي خلافته لمجرد أنه ورث ذلك عن أبيه، المغتصب السابق للخلافة.

و حيثيات المسألة مذكورة و مفصلة في كتب التاريخ، و سنسعترضها بعون الله في حينها، هل يتخلون عن المسألة برمتها، و عن الاسلام نفسه، و يتركون الأمر للقوة الغاشمة التي جاءت بهذا المتخلف الي سدة الحكم؟ و يحنون رؤوسهم أمام عاصفة البغي و الدمار التي هبت عليهم و حاولت اكتساحهم؟ أم أن مسؤولياتهم تبدأ منذ تلك اللحظات التي تعرضوا فيها لهذه المحنة القاسية، المتمثلة باقصاء الاسلام عن الحياة و عزله عنها لانهاء هذه الحالة الشاذة.

اننا ينبغي أن نعرف طبيعة العقلية الاسلامية و التصور الاسلامي لكل قضايا


الكون و الحياة و المجتمع هل هي عقلية تكتفي من الاسلام بالطقوس و الشعارات و بعض الممارسات المجردة و تترك كل ما جاء به الاسلام من تشريعات و نظم و طرائق للحياة و العمل (أفتؤمنون ببعض الكتاب و تكفرون ببعض) [1] ، أم أنها عقلية تفهم الاسلام كله، و تريد الأخذ به كله، و لا تضعه علي الرف، و تقف هي علي التل تتفرج و تنتظر ما سوف تتتمخض عنه الأحداث.

انها تصنع الأحداث و توجهها علي ضوء فهمها الشمولي الواضح للاسلام.

اذا ما أدركنا ذلك، أصبحت الاجابة عن الكثير من التساؤلات سهلة ميسرة، و استطعنا أن نفهم لماذا أخذ الحسين علي عاتقه القيام بهذه المهمة الصعبة و لم يؤجلها الي أبعد من ذلك الوقت، و استطعنا أن نفهم أيضا سر نجاحها الباهر عند ما قامت في ذلك الوقت بالذات، و امتدت أما لسائر الثورات الحقيقة التي عصفت بالكثير من الأنظمة المستبدة البعيدة عن روح الاسلام و قيمه و مبادئه، فمن أولي من الحسين بالفهم الشمولي الصحيح للاسلام.

ان بعض هذه الأنظمة - القائمة علي أسس بعيدة عن الاسلام - في محاولاتها المحمومة للبقاء و الامتداد، تتظاهر برفع بعض الشعارات التي حملتها تلك الثورة، و تدعو في الظاهر الي بعض ما دعت اليه، في محاولة لكسب الجماهير الاسلامية، المتحيزة عن وعي و فهم الي صف الاسلام و صف تلك الثورة الأولي الرائدة المحفزة علي الدوام، و ربما أصبح وعي الجماهير الآن بدرجة من الوضوح يجعلها تدرك حقيقة و صدق الشعارات المطروحة، و يجعلها لا تنساق بسهولة و يسر وراء حامليها و المتاجرين بها.

ان النموذج الأموي (المتحرر) من (قيود) الاسلام و التزاماته، برز علي ساحة الأحداث منذ مدة طويلة، و لايزال لذلك، فان أنظمة الحكم هذه، حينما تدافع عن النموذج الأموي الأول و تدفع كتابها و مفكريها و (منظريها) لايجاد مبررات شرعية لوجود و صلاحية ذلك النموذج، و التقليل من شأن أي حركة أو ثورة مناوئة له - بما فيها ثورة الحسين بالطبع - فانها بذلك تحاول ايجاد المبررات لشرعيتها هي و بقائها، كأنظمة صالحة و صحيحة، بل و أنظمة نموذجة مثلي، لا ينبغي لأحد أن يري وجه


حق في الخروج عليها لأي سبب من الأسباب، فتروح في حملة الدفاع المحمومة عن نفسها تأخذ علي الحسين قيامه بوجه يزيد و تري في ذلك وقوعا في الفتنة و ترويجا للشغب و المرج، و خروجا علي الحاكم (الشرعي) الذي (اختارته) الأمة (و بايعته) و (أجمعت) عليه، فهو اذا خروج عن الاسلام، و يقتضي العقاب و الردع، و طبيعي أن امكانات هذه الدول التسليحية و التعبوية و المالية، لا تتناسب مع امكانات الثائرين و المصلحين و المنتفضين، المحدودة غالبا، و الذين يعلنون عن مواقفهم و رفضهم بمجرد أن يتطلب الظرف ذلك، دون الانتظار الطويل لتحشيد المزيد من القوة و الأعوان و السلاح، و قد يقوم بعضهم بمهمة التصدي و الرفض و الثورة لوحده، ان استدعي الأمر ذلك، مستلهما عزيمة الاسلام و صدق المبادي ء التي يحملها.


پاورقي

[1] البقرة: 85.