بازگشت

بين التصور الأموي و التصور الاسلامي


ان كثيرين ممن لا يفهمون الطبيعة الدافعة المحركة و الفاعلة للاسلام و المؤهلة لقيادة الحياة و توجيهها و التحكم فيها و جعلها تنسجم معه و مع كل ما فيه من مقومات الفعل و التأثير و التغيير الايجابي المتوافق مع متطلباتها اليومية و وفقا للمنهج الالهي المنزل و الكامل و المسدد بالوحي و الارادة الالهية الحكيمة. هؤلاء الذين لا يدركون تلك الرابطة القوية مع الاسلام، يثير حفيظتهم اصرار الامام الحسين عليه السلام علي المضي قدما في مهمته التي كانت تبدو محفوفة بالمخاطر و المتاعب (لا نتزاع) الحكم من السلالة الأموية الممثلة بيزيد و التي أردت أن تجعله و راثيا مطلقا، و قد جعلته كذلك بالفعل، و مهدت لهذا النمط الملكي الوراثي المطلق ليأخذ دوره كنمط (مقبول) بل (لابد منه) لحكم البلاد و العباد، و جعلت من الاسلام مجرد غطاء (شرعي)، حكمت باسمه، و جردته من كل حيويته و قابلياته الفعلية للتأثير، حتي بدا كذلك بالفعل، مجرد تعاليم و طقوس (تتقاطع) مع (الواقع)، و لا تتمكن من قيادة الحياة بشكل فعلي.

و كان رأس هذه السلالة (أبوسفيان)، (الطليق) الذي أجبر علي اعتناق الاسلام عند فتح مكة، بعد أن كان علي رأس الحركة المناوئة للاسلام منذ بداية التنزيل، قد


رأي أن (ملك محمد أصبح الغداة عظيما)، و صرح عندما تحدرت الخلافة الي عثمان - الذي كان ينتمي الي البيت الأموي (تلقفوها يا بني أمية تلقف الكرة)، منكرا في تصريحه ذاك الجنة و النار، و الله سبحانه - نفسه.

ان هذا التصور الأموي المعلن علي لسان عميد الأسرة الأموية، و جد له أفضل صدي عميق في أذهان أعقاب هذه السلالة، و في مقدمتهم الرأس الآخر الحاذق الداهية، معاوية بن أبي سفيان (الطليق) الذي (أسلم) بذات الوقت الذي (أسلم) فيه أبوه، تحت وطأة الحراب و السيوف، و الذي كانت كل تصرفاته و انماط سلوكه تدل علي أنه كان لا يحكم الاسلام الا في الظاهر، و طبع أنماط الحكم المتأخرة بطابعه الخاص طيلة مئات من السنين، و أصبح (طابع معاوية) و لمساته و طرائقه و أساليبه في الحكم هي الطرق المألوفة (المؤهلة)، (و القادرة بشكل فعلي و واقعي) علي القيادة و التأثير، و الجديرة بالبقاء. لما أثبتته من (قدرات سابقة)، ملموسة و مجربة طيلة عهود و أزمان طويلة امتدت منذ بداية الحكم الأموي، و لا تزال تري هنا و هناك في مختلف بقاع العالم الاسلامي.

و طبيعي أن يزيد، ذا الادراك و المؤهلات المحدودة قياسا لأبيه الأديب الداهية! فهم الأمر كذلك، كاحدي المسلمات الطبيعية. و فهمه كذلك من جاء بعده أيضا، لأن من مصلحتهم أن يفهموه كما فهمه أسلافهم - بعيدا عن الدين و تصوراته و قيمه. و قد رأوا أن من مصلحتهم أن ينشروا فهمهم هذا بين أبناء الأمة لتتطبع عليه و يكون هو النمط الأساسي الوحيد المتقبل.

و قد راح أولئك الذين أخذوا علي الامام ثورته و عزمه علي المضي الي النهاية لتعرية و كشف زيف و أباطيل الادعاءات و الافتراءات الأموية بشأن الخلافة و الحكم، (بضربة) حاسمة، تركت طابعها المؤثر علي الضمير الاسلامي و الانساني عموما، و الاقدام بكل شجاعة و ثبات لاعلان الرفض القاطع لكل تلك الأباطيل الدخيلة و الدعوة الي ما دعا اليه جده صلي الله عليه و آله و سلم، أي الي الاسلام كله بكل نقائه و وضوحه و استقامته. راحوا يصورون قيامه بهذا الأمر، و كأنه يقوم بمغامرة فاشلة و مجازفة لا جدوي منها أمام السلطان القوي الكاسح ل (خليفة المسلمين) و (أميرالمؤمنين) الذي (أجمعت) الأمة علي مبايعته و الانقياد له، و تجمعت حوله بعد فرقة طويلة و فتن عديدة...!! مع أنهم أعرف الناس بالكيفية التي أخذت له فيها البيعة، و كيف مهد السبيل لها. غير أن التصورات المسبقة و التحيز القديم المدعم بالتفسيرات


الاستشراقية الطارئة الغربية التي تنسب لنفسها (الموضوعية) و (العلمية) تجعل من الصعب عليهم التحول الي المنظار المعقول و الواقعي الذي ينظر الاسلام من خلاله الي الأمور جميعا و منها أمور الخلافة و الحكم.