بازگشت

ثورة الحسين، كانت الحل الوحيد لا يقاف الانحراف عن الاسلام


لم تكن ثورة الحسين عليه السلام، احدي تلك الثورات العابرة التي شهدتها الساحة الاسلامية، و لم تكن قد حدثت نتيجة رغبة خاصة دانية لدي قائدها أو نزعة للزعامة و الملك، و انما كانت (ضرورة) اقتضتها الأحداث التي سبقتها، و كانت الأمر الوحيد الذي لابد من القيام به لا يقاف الانحدار الهائل و الا نزلاق السريع نحو الهاوية التي وجد المسلمون أنهم يقفون علي حافتها فعلا، و لم تكن احدي تلك الثورات أو الانقلابات التي يراد منها مجرد استبدال الحاكمين و أجهزة الحكم و وضع أجهزة أخري محلها، كما أنها لم تكن نتيجة صراع بين أفراد (قرشيين) من بيوت رفيعة جعلتهم مؤهلين جميعا - ما داموا بهذه الدرجة - للتنافس علي منصب الخلافة السامي، و لا يهم ما داموا من نفس الأصل الرفيع، من يفوز منهم بهذا المنصب. كما حاول معاوية تصوير المسألة [1] ، و انما كانت امتدادا لثورة الاسلام الأولي التي رفضت القيم و الأوضاع الجاهلية، و جاءت بأوضاع و قيم و تصورات و مفاهيم جديدة، لم يكن المجتمع الجاهلي يعرفها من قبل، قائمة علي أساس الاسلام وحده. و قد وضعها الرسول الكريم صلي الله عليه و آله و سلم بوحي من الله جل و علا، و بتسديد منه لتأخذ طريقها في رسم منهج كامل للحياة يختلف عن كل المناهج المتخبطة و المشوشة و الضبابية بفعل الانحراف عن خط الأنبياء السابقين و عدم النضج اللذين عرفتهما البشرية منذ أوقات بعيدة و الي ذلك الحين.


و لم يكن المنهج الاسلامي في الحياة منهجا (أخلاقيا) مجردا أو (أفلاطونيا) لا وجود له الا في الخيال، و انما أخذ طريقه بشكل عملي فاعل، راسما بوضوح طرق الأداء الحياتي و السلوكي اليومي للانسان بكل تفصيلاتها و تعقيداتها و متغيراتها، بشكل يحقق التوازن الواقعي بين الرغبات و الغرائز و المتطلبات الاجتماعية و الحقوق و الواجبات، و يحقق توافقا منسجما متناغما لعموم أبناء المجتمع علي أسس و تفصيلات جديدة جاء بها الدين الجديد، و الذي بقي جديدا دائما بما يملكه من عناصر القوة و الديمومة و القدرة علي توجيه الحياة الانسانية و قيادتها، ما ظلت هذه الحياة قائمة، و ان تنوعت معطياتها و أشكالها و منجزاتها العلمية و الحضارية في مختلف بقاع الأرض. اذ أن الانسان هو الانسان نفسه في كل زمان ومكان، مهما اختلفت ظروفه و أوضاعه، غير أن قيادة الاسلام للحياة، و قدرته علي توجيهها، رهين بحاملي هذا الدين (الوعاء الذي يحمله و يحفظه)؛ رهين بالمسلمين أنفسهم، و قدرتهم علي التحرك الصحيح وفق التصور و الفهم الصحيح له.

و لا شك أن الاسلام بقدرته المحركة القادرة علي توجيه البشرية و قيادتها دوما، يمتلك المقومات التي تتيح له السيطرة الدائمية علي الانسان بشكل متوافق مع حركته و منسجم معه و معبر عن طموحاته و رغباته و توجهاته التي لا تتقاطع مع فطرته و حاجاته الأساسية و رغباته و غرائزه. غير أن المهمة الدائمية للاسلام تتمثل بتحقيق التوازن و الانضباط لضمان عدم انفلات الغرائز و الرغبات الانسانية و خروجها عن الأطر البشرية المطلوبة التي تضمن تحقيق سعادة الجميع.

و لكي يظل الاسلام متمكنا من قيادة البشرية وفق توجهاته و معطياته، و لكي لا تتميع قيمه أو تذوب أو تذوي بفعل الزمن و اختلاف الأمكنة و البيئات و الحكام، و لكي يظل يفعل فعله في النفوس، و يملك القدرة علي التغيير و البناء، فلابد من امتلاكه مقومات أساسية من شأنها أن تجعل الانسان في حالة مراقبة دائمية لنفسه و أوضاعه و مجتمعه، و تحمله مسؤولية البناء و التغيير و دفع أي انحراف عن المنهج الاسلامي الشامل، و التصدي له بكل الأشياء المتيسرة، و انكارها باليد أو اللسان أو القلب، و جعل الاسلام الاصرة الوحيدة التي تشد أعضاء المجتمع المسلم الي بعضه علي الأسس و المبادي ء التي أوضحها هذا الدين الشمولي العام، و هذه المقومات موجودة فعلا في الاسلام، و يمكن تلمسها بوضوح في القرآن الكريم و السيرة المطهرة.


ان هذه المراقبة الدائمية ترتب علي المسلم مسؤولية التقويم المستمر لنفسه و مجتمعه علي السواء، كونه راعيا في هذه الأمة و مسؤولا عن رعيته، و تمنحه زخما اضافيا و شحنة دائمية تشعره بأهمية وجوده في هذه الحياة، و أنه لا يعيش علي هامشها، و ان كان لا يتمتع بدور(رسمي) واجتاعي مرموق.

و هذا التصور الاسلامي للحياة و المجتمع، لابد أنه يستهدف الانسان العادي و يطلب منه التصرف علي أساس فهمه و استيعابه، مع الحث المستمر علي ضرورة رفع مستوي هذا الفهم و الاستيعاب أما الآخرون الذين يمتلكون مؤهلات علمية متنوعة، ابتداء من المتعلمين العاديين و طلبة العلوم الدينية و حتي المتخصصين بالدراسات العلمية و الفقهية العالية، فلا شك أن مسؤولياتهم تتسع بشكل كبير، و حسب علمهم و فهمهم. أما الراسخون في العلم، المتيقنون، فلا شك أن مسؤولياتهم أعظم و أشمل (قل هل يستوي الذين يعلمون و الذين لا يعلمون) [2] ، و هؤلاء - بلا شك - هم الصفوة المختارة التي أثرها الله بالنبوة و الامامة، و لا شك أن تصرفاتهم تنبع عن علم و يقين ثابتين، لا مجال معهما لأي تردد أو انحراف. انه العلم المطلق و الايمان المطلق و اليقين المطلق.

لذلك فان علينا، عند تناولنا لهذه الثورة الكبيرة، أن لا نأخذ أحداثها بمعزل عن فهمنا لمركز الامام الحسين عليه السلام و شخصيته و مسؤولياته و علمه و تصوراته، فمثل هذه الدراسات ستظل ناقصة مبتورة ما لم نفهم المهمات الكبيرة الموكلة لهذا لهذا الامام، و طبيعة نظرته المتيقنة للاسلام، و دوره القيادي في توجيه الأمة و النهوض بها، مهما كانت التضحيات و المتاعب التي قد لا يحتملها الانسان العادي.


پاورقي

[1] فقد صرح معاوية بعيد ترشيحه يزيد لولاية العهد قائلا (... أنه لم يبق الا ابني و أبناؤهم، فابني أحب الي من أبنائهم...! العقد الفريد - ابن عبد ربه الأندلسي - ج 5 - مکتبة الرياض الحديثة - دار الفکر - ص 111 - و يراجع - تاريخ الخلفاء - جلال‏الدين السيوطي - دار الفکر 1408 ه - 1988 م ص 192 و قول معاوية لمن حذره من استخلاف يزيد: «نصحت و قلت برأيک و اني لم يبق الا ابني و أبناؤهم، و ابني أحق»).

[2] الزمر: 9.