بازگشت

لنفهم الاسلام حتي نفهم ثورة الحسين


لم يحظ حدث اسلامي كبير، طيلة ألف و أربعمائة عام، و هي تاريخ العصور الاسلامية كلها، بالاهتمام الذي حظيت به ثورة الامام الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام، التي قام بها بوجه الانحراف الأموي الخطير الذي بدأ يتضح بشكل بارز في أخريات عهد معاوية و أوائل عهد يزيد، و لم يكن هذا الاهتمام مقصورا علي الباحثين و الدارسين الاسلاميين، و جماهير المسلمين عموما، و انما شمل معظم المعنيين بالتاريخ الانساني عموما، و التاريخ الاسلامي و المنهج الاسلامي في النظر و التفكير و الحياة.

و ربما أتارث النتائج الثبيرة التي تركتها هذه الثورة علي أغلب الأحداث و الوقائع التي تلتها منذ ذلك الحين (سنة 61 ه)، و حتي الآن، حيرة و اندهاش العديدين ممن يتناولون الحوادث التاريخية بمعزل عن مسبباتها و ظروفها؛ اذ كيف يمكن - بنظر هؤلاء - (لمأساة) قتل فيها قرابة ثمانين شخصا أن تحدث هذا التأثير الهائل في مسيرة الأحداث و الوقائع العديدة التي كونت مجمل التاريخ الاسلامي فيما بعد، مع أن حوادث مأساوية عديدة قد وقعت، و قتل فيها أضعاف الذين قتلوا في واقعة الطف، و هي المشهد الختامي من تلك الثورة التي تزعمها الامام الحسين عليه السلام، و قد ارتكبت في تلك الحوادث المتأخرة جرائم و فظائع، فاقت في حجمها و في بشاعتها ما ارتكب في تلك الواقعة البدرية الثانية. و من تلك الوقائع (واقعة الحرة)، في المدينة المنورة، عاصمة الرسول صلي الله عليه و آله و سلم و موطن هجرته، التي استبيحت بها تلك المدينة و أهلها طيلة أيام ثلاثة بشكل لا يطاق، علي يد نفس تلك الطغمة الحاكمة التي ارتكبت المجزرة الأولي، بعد فترة قصيرة من ارتكابها.

و لعل البعض يري في هذا الاهتمام الكبير من الكتاب و المؤرخين المسلمين مبالغة كبيرة لتضخيم (حدث) ربما لم يعرفوا هم - بعد - حجمه الصحيح و ابعاده، الا اذا أتيحت لهم فرصة دراسة الاسلام نفسه و منهجه في الحكم و الحياة، و الظروف


و الأحداث التي وقعت منذ فجر الرسالة الاسلامية و حتي بداية الحكم اليزيدي الأموي، الذي اتخذ في الظاهر، رغم اعلانه العملي صيغة الحكم المطلق، المظاهر العامة التي تعارف عليها المسلمون ومنها الأشكال المألوفة للطقوس التعبدية، و صيغ البيعة و الخلافة و الولاية و امرة المؤمنين و غير ذلك من المظاهر المتعارفة الأخري التي طبعت أشكال الحكم و الحياة بعد وفاة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم.