بازگشت

المقدمة


[1] .

يذهب الناس في أمر ثورة الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام مذاهب شتي، و لهم فيها آراء و وجهات نظر عديدة، و قد بدأت هذه الثورة - عمليا - سنة خمسين للهجرة، عندما رفض الحسين دعوة معاوية الي البيعة بولاية العهد لابنه يزيد من بعده، و انتهت أوائل سنة احدي و ستين عندما استشهد مع جماعة من أهل بيته و أصحابه في (واقعة الطف) في (كربلاء)، بعد أن أوعز يريد - و قد استلم السلطة فعلا - لعبيدالله بن زياد أن يتصدي له، و يستنفر كل أعوان الدولة و جنودها في العراق لمنعه من دخول الكوفة و قتله. و قد نفذ ابن زياد الأمر بحماس منقطع النظير، في محاولة منه لكسب ود يزيد الذي كان يعرض عنه قبيل تلك الفترة و لا يوليه أدني رعاية أو اهتمام، و سار الي الكوفة بسرعة قياسية، و حشد عدة آلاف من أهلها بمعونة (الأشراف) و المتنفذين فيها، اشتركوا بالمجزرة المروعة التي افتتح يزيد بها حكمه القصير.

و يري قسم من هؤلاء الناس أن الثورة كانت الأمر الوحيد الذي لابد أن يقوم به الحسين عليه السلام لايقاف الانحراف المتزايد السريع من قبل مؤسسات الدولة الأموية الحاكمة، عن الاسلام و مبادئه و تشريعاته، و عن خط الرسالة الصحيح الذي رسمه نبي الانسانية الأكرم صلي الله عليه و آله و سلم، ذلك الانحراف الذي كان ينفذ وفق خطة ما كرة منظمة، و كان يبدو أنه سيودي بالمجتمع الاسلامي حتما و يحطمه تماما، و يجعل الاسلام بعيدا عن دائرة اهتماماته و حياته.


و يؤيد آخرون فكرة الثورة، الا أنهم لا يحبذون قيامها بالشكل الذي قامت به، و الذي انتهي بتلك الخاتمة المأساوية المروعة، التي صدم بها المسلمون، و يرون أن الحسين قد أخطا في التوقيت و في اختيار الساحة التي أراد اعلان ثورته منها، و أن يزيد قد ازداد جرأة علي الايغال في سفك الدماء و القتل بعد أن مرت مذبحة الطف دون رد قوي أو عقاب رداع سريع ضده، و ان الحسين أيضا قد جازف بنفسه و أصحابه، و كان ينبغي عليه أن يتأني، فلا يعجل بخروجه من المدينة و مكة الي العراق، و يذهب الي مكان منيع كجبال اليمن، أو يهادن يزيد ريثما تتهيأ الظروف المناسبة للثورة، و أنه قد منحه (بعجلته) تلك فرصة ذهبية لمحاصرته و الانقضاض عليه.

و يري عديدون - و منهم مؤرخون و باحثون و مثقفون - ان الحسين قد شق بثورته، وحدة الأمة الاسلامية التي جمعها ليزيد، و أنها كانت ايذانا ببداية فرقة و اختلاف كبيرين بين أبناء هذه الأمة، و يأخذون عليه قيامه بها ضد (ولي أمر المسلمين) و (أميرالمؤمنين) و (الخليفة) الذي بايعته و أجمعت عليه، أما كيف تم أمر هذه البيعة، و ما هي ملابساتها، و ما هي مواصفات هذا الخليفة، فأمور لاتهم، و ليس علينا مناقشتها، ما دامت قد تمت فعلا و أصبحت أمرا واقعا، و أصبحا يزيد الممثل الفعلي، و خليفة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم علي أمته، و المتصرف بأمورها و مقدراتها.

و ذهب البعض الي حد الحقد الشديد عليه لهذا السبب لأنه قد عكر - بنظرهم الجو الهادي ء الذي أخذت تعتاده الأمة بعد استتاب الوضع لصالح معاوية و يزيد من بعده و بعد (فتن) و (خصومات) لم تجن فيها سوي الويلات و المآسي، و انها فتحت الباب مجددا لمزيد من الخصومات و الخلافات و الثورات.

و لا يأخذ البعض الا الجانب المأساوي منها، و لا تمثل أمالهم الا الطريقة الشبعة التي أريقت بها دماء الحسين و أهله و أصحابه و عومل بها حرمه و نساؤه و صبيته، فلم يتعد رد الفعل سوي الحزن و التفجع و التظلم، متناسين الدوافع الحقيقة لهذه الثورة، و آثارها الايجابية الكبيرة فيما بعد.

و عزز من اختلاف وجهات النظر بشأنها، التيارات و المذاهب السياسية المتناحرة التي برزت علي ساحة الوطن الاسلامي، في العصور اللاحقة، و قيام أنظمة الحكم (الاسلامية) العديدة، طيلة هذه العصور، بتشجيع الناس علي تبني مواقفها


و وجهات نظرها المعلنة حول مختلف الأمور و القضايا و منها هذه القضية التي تبرز دائما في طليعتها.

و قد التبس الأمر علي العديدين، فمن ظنوا أنها ثورة (شيعية) بحتة، مع أن التشيع الذي يعنونه، و الذي تبلور فيما بعد بالمذهب الجعفري، الذي هو مذهب آل البيت، لم يكن قد ظهر بعد، و ذهب بعض من ظن ذلك الي اتهام الشيعة بالتمرد و الولع بالثورات و العصيان لمجرد الرغبة في مجاراة تلك الثورة الأولي، و راحوا - في سياق الحملات المعادية لهم - يلصقون بهم التهم المختلفة، متوهمين بذلك أنهم يؤدون للاسلام خدمات جلي. و لم يكن رد بعض هؤلاء - في بعض الأحيان - يتم بالموضوعية و الفطنة، خصوصا بين الفئات التي لا تتمتع بقدر كاف من العلم و الثقافة، مما أتاح لعدوهم المشترك المتربص؛ عدو الاسلام، أن يجد في جو الخصومة و الخلاف و الانفعال، الوسائل التي تمكنه من توسيع الشقة، ليكون هو المستفيد الوحيد في النهاية. و يكونون المتضررين الوحيدين بفعل هذه (المعارك) الوهمية و غيرها من السموم التي يبثها هذا العدو الماكر اللئيم.

و كان الأمر سيستمر هكذا لو لا تصدي بعض المخلصين الغيورين لهذه المؤامرة المكشوفة التي تستهدف تمزيقهم و النيل منهم، حينما لم يجدوا ما يشير الي خلاف حقيقي في القضايا الجوهرية.

و منها مسائل الايمان و العقيدة، و لم يجدوا الا القليل من الاختلاف في القضايا الأخري، و منها بعض الحوادث التاريخية التي تقادم عهدها و وفد أصحابها و صانعوها علي رب كريم عادل، يفصل فيها بحكمته و عدله و رحمته.

ان مسألة التفاهم و التقارب بين عموم المسلمين لا تتم بمجرد التمني، و لابد من خطوات عملية لتحقيقها. و استعراض جانب من تاريخ هذه الأمة - قد يكون مثار خلاف و نقاش - اذا ما تم بروح متجردة غير متحيزة، قد يعمل علي توضيح الكثير من الخفايا، و يعمل علي أن ننظر الي كل القضايا و الأحداث الاسلامية، بعين بصيرة، بعيدا عن التصورات و المواقف المسبقة، و يعمل بالتالي علي أن تنصب جهودنا مجتمعة لخدمة الاسلام و المسلمين في كل بقاع الأرض.

ان استعراض ثورة الحسين، من خلال رؤية موضوعية معاصرة، غير متأثرة بما


درج علي التأثر به بعض الكتاب و الباحثين الاسلاميين للأسباب التي أوردتها قبل قليل، و لأسباب أخري عديدة، تطرقت الي قسم منها في بعض فصول هذا الكتاب، ربما سيكون أحد عوامل تقريب و جهات النظر بخصوص هذه الثورة الأم، و يزيل الكثير من الالتباس الذي علق في بعض الأحيان حول ضرورتها و جدواها، خصوصا و أن نتيجتها المباشرة كانت مأساوية، و كان الحسين و أصحابه أول ضحاياها مما قد يوهم بأنها كانت ثورة فاشلة خصوصا و أنها لم تستطع ايقاف الانحراف الأموي المتزايد، بل أن الدولة الأموية بدت في الظاهر مزدهرة قوية.

و لم أعتمد المصادر (الشيعية) وحدها في هذه الدراسة، بل كان لمصادرها (أهل السنة) النصيب الأوفر. و لم يكن ايرادي لها لغرض القاء الحجة و تبرير الأطروحات الواردة، و انما رأيت عند الكثيرين منهم انصافا و غيرة علي الحق و قدرا كبيرا من الدقة في البحث و عدالة و موضوعية أخذوا بها أنفسهم رغم احتمال رغم احتمال تعرض بعضهم الأذي و النكال علي أيدي من أرادوا لهم أن يكتبوا غير ما كتبوا، فرأيت أن أستفيد من أقوالهم و ايراداتهم المنصفة أيضا، ليري الجميع الآن أن القضية التي نتناولها، قضية اسلامية لا شأن لها بمذهب معين، اذ لم يمثل الحسين الشيعة، كما يتوهم البعض و انما كان يمثل عموم المسلمين، و كان ينطلق بثورته من منطلق اسلامي شامل، كما أن يزيد لم يكن طرفا يمثل عموم أبناء السنة علي الخصوص و لم يكن ينتمي الي أي مذهب معين، و كان وجوده خليفة لرسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و قائدا للأمة الاسلامية يمثل نكسة خطيرة لابد أن تجتازها لتعود الي الخط السليم الأصيل.

لابد لثورة الحسين، كما لابد لكل قضايانا التاريخية الأخري، أن تعرض علي بساط البحث الهادي ء الجاد، و لابد من الاطلاع علي كل ملابساتها و ظروفها و حسم كل الاشكالات و الخلافات القائمة بشأنها الي الأبد، ليكون ذلك وسيلة الي المزيد من التقارب و التآلف بين عموم المسلمين، و هو أمر طالما كانوا بحاجة اليه خصوصا في عصرنا الراهن، حيث تري قوي عالمية عديدة في الاسلام عدوها المخيف الذي ينبغي عليها أن تتصدي له بكافة السبل الممكنة، و تجعل مسألة أضعافه، بل محوه من أولوياتها. و ليس من المعقول أن نساعد - نحن المسلمين - هؤلاء في مهمتهم المدمرة هذه. لكننا نفعل ذلك بالتأكيد و نقع في الفخ الذي أعده لنا خصومنا، اذا لم نحسم


خلافاتنا، و نحل مشاكلنا. و كلها - كما قلت - خلافات و مشاكل مفتعلة أريد لها أن تناقش في أجواء من الغموض و الانفعال و التبني المسبق لأفكار و أطروحات قديمة، فهل نحن مدركون لذلك حقا؟ هذا ما نرجوه و نتمناه. (لا يكلف الله نفسا الا وسعها لها ما كسبت و عليها ما اكتسبت ربنا لا تؤاخذنا ان نسينا أو أخطأنا ربنا و لا تحمل علينآ اصرا كما حملته علي الذين من قبلنا ربنا و لا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعف عنا و اغفر لنا و ارحمنا أنت مولنا فانصرنا علي القوم الكفرين). [2] .

رفحاء - في السابع من صفر 1413 ه مساوي تموز 1992 م

مشگن - شوال 1421 ه مساوي كانون الثاني 2001 م

محمد الشيخ عبدالرسول السماوي



پاورقي

[1] صدر أول کتاب لي عن ثورة الحسين سنة 1388 ه 1968 م بعنوان (ثورة الحسين - أهدافها، نتائجها). دراسات تاريخية، عن دار التربية - بغداد. و قد کنت أزمع التوسع بتلک الدراسة فيما بعد، مع کتاب آخر نشر لي تلک السنة و هو (منهاج الاسلام في التربية)، و قد کتبت هذا الکتاب في رفحاء، بعد هجرتنا المبارکة اليها، و أعدت کتابته في السنوات اللاحقة في واشنطن و مشيگن في الولايات المتحدة، بعد سفرنا اليها من هناک.

[2] البقرة: (286).