بازگشت

المقدمة


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الكاشف لعباده عن أسرار مراده، الواصف نفسه في كتابه بإنجاز ميعاده، الراقم [1] علي جباه البشر محتوم لشقائه و اسعاده، الذي أشرق قلوب أوليائه بنور هدايته، و فتق أذهانهم لاقتفاء معرفته، فخفيت عن بصائرهم حقيقة ذاته، و ظهرت لابصارهم بدائع مصنوعاته، و حارت في أحكام قدره أفكار الالباء [2] ، و قصرت عن وصف مقدس ذاته ألفاظ البلغاء، و باعد أولياءه عن دار الاثام، و قربهم إلي دار السلام فتنافسوا في الوصول إلي الزاد، و تناضلوا [3] بالسبق إلي سلطان المعاد، بما أراهم من آياته و معجز رسله و رسالاته، فخرجوا من أصداء القلوب، و وعثاء [4] الذنوب، إلي مراد علام الغيوب، فكان كاشفا للأسرار، رافعا للأستار، مزيلا للحجاب عن المورد المستعذب المستطاب، دالا علي الهداية الكبري، ناشرا أعلام المسرة و البشري، فدعاهم حينئذ إلي طاعته لجهاد من صرف عن سنن سنته، و تجلي لهم من مطالع بصائرهم، فغسلوا بماء الصفا كدر ضمائرهم، فعزفت [5] نفوسهم عن الدخول في حزب أهل الضلال، و اشتاقوا إلي حرب جيش القتال، باقتحام الأهوال، فيالها نعمة أهدت إلي أنصار الله جل جلاله مسرة و ألقت علي أعينهم قرة، فنهضوا إلي لقاء العدو بشفاه


ظامئة إلي ارتشاف مرن السعادة، و أرواح تائقة إلي الشهادة، فرحين بانعقاد بيعهم الرابح، يوم تفريق الجوائز و المنائح، و علموا أنهم لن يصلوا إلي خلعه السنية، إلا بخلع الحياة و لبس المنية، فيذلوا النفوس في لقاء العدو و مجاهدته، و المبالغة في قتاله، و مجالدته و في هذه الرتبة العالية، و البيعة الغالية، تنافس أهل الطفوف، في احتمال الحتوف، و الصبر علي نقط الرماح و شكل السيوف.

و كانوا كما قلت شعري هذا وصفا لحالهم في نزالهم:



لهم جسوم بحر الشمس ذائبة

و أنفس جاورت جنات باريها



كأن مفسدها بالقتل مصلحها

أو أن هادمها بالسيف بانيها



فيا ذوي البصائر و الأفهام، و يا أرباب العقول و الأحلام أظهروا شعار الاحزان و البسوا الجزع علي سادات الايمان، و اقتدوا بالرسول، في محبة بني الزهراء البتول و تعظيم ذوي القربي فقد وعدهم جل جلاله لعظمهم بأحسن العقبي.

و لقد كشفت أمية سره، المضروب علي سبطه بهتك حرمته و رهطه [6] و نقضوا ما برمه، و حلوا من عقد الدين ما أحكمه.

و أنا مورد من نظمي هذه الأبيات، في صفة هذه الحركات:



يا أمة نقضت عهود نبيها

و غدت مقهقرة علي الأعقاب



كنتم صحابا للرسول و إنما

بفعالكم بنتم عن الاصحاب [7]



و نبذتم حكم الكتاب [8] علي جهالة

و دخلتم في جملة الأحزاب



بؤتم بقتل السبط و استحللتم

دمه بكل منافق كذاب



فكما تدينوا قد تدانوا مثله

في يوم مجمع محشر و حساب



فكم يومئذ من كبد مقروحة، و دموع مسفوحة، و لاطمة خدها، و مستندبة جدها، و ناشرة شعرها، و هاتكة سترها، و قد ذل الايمان، و قل الاعوان، و عطلت


المراتع بفراقهم، و هصرت [9] الاغصان بانتشار أوراقهم، و أظلم الاسلام بعد إشراقه و أمر الدين بعد حلو مذاقه، فلو كان للنبي و ابنته عين تنظر إلي الشهيد من عترته و الأطائب من أسرته، و جثثهم عن الثياب عارية، و جوارح الطير إليها هاوية، و أفواه الوحوش لوجوههم هاشمة [10] ، و ثغور الأعداء لما حل بهم باسمة، و الأجساد الطاهرة مرملة بالتراب، مجردة [11] عن الأسلاب، فلاقرح ذلك قبله، و أذاب بانهمال الدموع غبرته، و نح [12] أيها المحب لآل الرسول، نوح الفاقدة الثكول، و ابك بالدموع السجام، علي أئمة الإسلام، لعلك تواسيهم بالمصاب، بإظهار الجزع و الاكتئاب، و الإعلان بالحنين و الانتحاب، فواخيبة من جهل فضلهم، و قد ذكر جل جلاله في كتابه العزيز نبلهم، لأنهم الأدلة علي النجاة في المعاد، الهداة إلي طرق الرشاد.

و لقد أحسن الشاعر بقوله:



أضلوا في مفارز طمسوا الأعلام [منها] [13] بفاحش التمويه

و أراقوا دم الأدلة، فالقوم إلي الحشر في ضلال و تيه



و قد قلت في أبياتي هذه ما ينبه الغافل علي شرفهم و في الجنة علي علو غرفهم:



إن كنت في آل الرسول مشككا

فاقرأ هديت النص في القرآن



فهو الدليل علي علو محلهم

و عظيم علمهم و عظم الشأن



و هم الودائع للرسول محمد

بوصية نزلت من الرحمان



فأسعدوني بالنياحة و العويل، و اندبوا لمن اهتز لفقده عرش الجليل، و اسكبوا العبرات علي الغريب القتيل، فليتني أذود عنهم خطوب الحمام، و أدر مواقع تلك الآلام و أرفع بنفسي عن نفوسهم، و أكون فداء شيخهم و رئيسهم، حتي أقضي حق جدهم المرسل، و أحول بينهم و بين القدر المنزل.


فقد رويت عن والدي رحمة الله عليه أن الصادق عليه السلام قال: من ذكرنا عنده في مجلس فقد غيبا بشطر كلمة أو فاضت عيناه رحمة لنا و رقة لمصابنا مثل جناح بعوضة غفرت له ذنوبه و لو كانت مثل زبد البحر [14] .

و كان زين العابدين عليه السلام يقول: أيما مؤمن ذرفت عيناه لقتل الحسين عليه السلام حتي تسيل علي خده بوأه الله بها في الجنة غرفا يسكنها أحقابا.

و أيما مؤمن دمعت عيناه لقتل الحسين عليه السلام و حزنا علي مامسنا من الأذي من عدونا بوأه الله منزل صدق.

و أيما مؤمن مسه فينا أذي صرف الله عن وجهه الأذي و آمنه يوم القيامة من سخط النار [15] .

و رويت عن الأئمة الصادقين عليهم السلام قالوا: من بكي أو أبكي غيره و لو واحدا ضمنا له علي الله الجنة، و من لم يتأت له البكاء فتباكي فله الجنة [16] .



پاورقي

[1] الراقم: الکاتب.

[2] الالباء: الاذکياء.

[3] تناضلوا: تسابقوا، و المناضلة: المسابقة بالسهام.

[4] الوعثاء‌: المشقة و التعب.

[5] عزفت: انصرفت.

[6] في النسخة النجفية: «و رهبه».

[7] الاصحاب: الانقياد.

[8] لا تتناسب هذه الکلمة مع الوزن الشعري، و الاصح عدمها.

[9] الهصر: يقرب من الکسر.

[10] الهشم: الکسر و التقطيع.

[11] في النسخة الحجرية خ ل «من»‌.

[12] في النسخة الحجرية خ ل «فنح».

[13] من النسخة الحجرية.

[14] أخرج نحوه في البحار: 289:44 ح 20، و الوسائل:‌391:10 ح 1 عن المحاسن: 63:1 ح 110، و في البحار المتقدم :284 ح 20 عن کامل الزيارات: 103 ح 8.

[15] أخرجه في البحار: 281:44 ح 14 عن تفسير القمي: 616 و ثواب الاعمال صلي الله عليه و آله 47 ح 108 و کامل الزيارات: 100ح 1 و اللهوف: صلي الله عليه و آله 5، و أخرجه في الوسائل: 392:10 ح 3 عن تفسير القمي و ثواب الاعمال و کامل الزيارات.

[16] 288:44 عن اللهوف صلي الله عليه و آله 5.