بازگشت

التسابق الي الجنة شعار كربلاء


بعد ان اكتمل عدد الشهداء، وبقي الإمام الحسين وحيداً ألقي نظرة عليهم فاذا بهم صرعي مضرجين بدماءهم، قد مزقتهم حراب الأعداء، فتنفس الصعداء والقي خطاباً دوي عبر الافاق وعلي امتداد العصور:

يا مسلم بن عقيل ويا هاني بن عروة ويا حبيب بن مظاهر ويا زهير بن القين ويا يزيد بن مظاهر ويا فلان بن فلان يا ابطال الصفا ويا فرسان الهيجا.. مالي اناديكم فلا تجيبون وادعوكم فلا تسمعون انتم نيام ارجوكم تنتبهون أم حالت مودتكـم عن امامكم فلا تنصروه هذه نساء الرسـول (صلي الله عليه وآله) لفقدكم قد علاهنَّ النحول فقوموا عن نومتكم ايها الكرام وادفعوا عن حرم الرسول الطغـاة اللّئـام. ولكن صرعكم والله ريب المنـون. وغـدر بكم الدّهر الخؤن، والاّ لما كنتم عن نصرتي تقصرون ولا عن دعوتي تحتجبون فها نحن عليكم مفتجعون وبكم لاحقون فإنا لله وإنا إليه راجعون ثم أنشـأ يقول:



قــوم اذا نــــودوا لدفــع ملمَّــةٍ

والخيـل بيــن مدعّس ومكردس



لبسوا القلوب علي الدروع واقبلوا

يتهـافتــون علي ذهاب الأنفــس



نصروا الحسيـن فيا لها من فتيـة

عافوا الحياة والبسوا من سندس [1] .



وقبلئذ شهد السبط الشهيـد لأهل بيته واصحابه بشهادة حق حين قال فيهم ليلـة عاشـوراء:

أما بعد فإني لا أعلم أصحاباً اوفي، ولا خيراً من اصحابي، ولا أهل بيت أبرّ وأوصل من أهل بيتي فجزاكـم الله عني خيراً. [2] .

لم تكن تلك مدحة باطلة، حاشا لله، انها كانت محض الحق. ومرّ الواقع.. لقد كان الصفوة الرسالية التي اصطفاها الحسين (عليه السلام) للشهادة معه. رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه. وكان ايمانهم ويقينهم وولاءهم لله سبحانه وللرسول وأهل بيته عليه وعليهم السلام. هو الذي حملهم الي كربلاء. ولذلك فقد كان تسابقهم الي الجنة شعارهم الأسمي. وإنّ ذلك هو المعيار لمعرفة مدي يقين المؤمن وصدق كلماته.

في ليلة الواقعة يجتمع الإمام باصحابه فيطلب منهم ان يتخذوا ليلتهم تلك جملاً، ويتفرقوا عنه فإن القوم لايطلبون غيره. فقال لهم: واني لأظن يوماً لنا من هؤلاء ألاّ واني قد أذنت لكم فانطلقوا جميعاً في حل ليس عليكم حرج منّي ولا ذمام. هذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملاً. [3] .

فقام أحدهم وقال:

اما والله لو علمت أني اقتل ثم احيي ثم أحرق ثم احيي ثم اذري، يفعل ذلك بي سبعين مرة، ما فارقتك حتي القي حمامي دونك، فكيف لا افعل ذلك وانما هي قتلة واحدة ثم هي الكرامة التي لا انقضاء لها ابداً. [4] .

ويقـوم ابن أخيه القاسم بن الحسن (عليه السلام) وكان غلاماً. فيسأل عمّه: هل هو ممن يقتل؟ وقبل ان يجيبه الامام يسأله: كيف الموت عندك. فيقـول: في نصرتك أحلي من العسل..

وفي يـوم الواقعة حينما يطلب القاسم الأذن بالهجوم يعتنقه السبط الشهيـد ويبكيان ساعة ثم ينطلق كالصقر ويشق صفوف الجيش المعادي بسيفه ويقتل منهم جمعاً. فينقطع شسع نعلـه، فإذا به ينحني لإصلاحه غير آبه بحراب الذئاب الموتورة من حوله.. انه يتسابق الي الجنة. ومطيته الشهـادة.

وهذا عابس بن شبيب الشاكري.. تقول الروايات عنه انه كان اشجع الناس فلما برز قال احدهم: ايها الناس هذا اسد الأسود، هذا ابن شبيب، لايخرجن اليه أحد منكم فأخذ ينادي ألا رجل؟ ألا رجل؟

فقال عمر بن سعد: ارضخوه بالحجارة من كل جانب، فلما رأي ذلك القي درعه ومغفره ثم شدّ علي الناس فوالله لقد رأيت يطرد اكثر من مأتين من النــاس ثم انهم تعطفوا عليه من كل جانب فقتل [5] ويقال انه لمّا تجرد من اسلحته قال أحدهم له: أجننت يا بن شبيب؟ فقال: حب الحسين أجنني.

وفي ليلة العاشـر: يتمازح القوم لانهم يعلمون باقتراب موعد الجنة منهم. فغداً سيكونون عند ربهم وعنــد من سبقوهم اليه سبحانه. تقول الرواية: إن برير بن خضير الهمداني، وعبد الرحمن بن عبد ربه الانصاري وقفا علي باب الفسطاط فجعل بريـر يضاحك عبد الرحمن فقال له عبد الرحمن يا بريــر اتضحك؟ ما هذه ساعة باطل، فقال برير: لقد علم قومي انني ما احببت الباطل كهلاً ولا شاباً، وإنمـا افعل ذلك استبشاراً بما نصيـر إليه، فوالله ما هو إلاّ ان نلقي هؤلاء القوم بأسيافنا نعالجهـم ساعة ثم نعانق الحور العيـن. [6] .

إن هذه الـروح التي تجلت في شهــداء كربـلاء اعطت امتنا الاسلاميـة وبالذات الموالين لآل الرسول منهم قوة ومناعة واقتداراً لان كل مخلص فيهم يتمني لو ختمت حياته بالشهادة والتحق باصحاب الحسين (عليه السلام). وإنهم حين يقفون علي اضرحة الشهداء يقولون: يا ليتنا كنا معكم فنفوز معكم فوزاً عظيماً.

إن روح الشهادة هـي التي يستمدها المؤمن من سيــرة الإمام الحسين (عليه السلام) وأهل بيته واصحابه. ومن هذا المنطلق يصر المؤمنون علي اقامة الشعائر الحسينية وبالذات في العشر الأول من شهر محرم الحرام. فتري كربلاء تتألق من جديد. وتري عاشوراء تضيء درب السالكين الي الحق. وتعطــي الرساليين دفعات من الوعي والعـزم..


پاورقي

[1] مقتل الحسين (عليه السلام) لأبي مخنف / ص 133.

[2] بحار الأنوار / ج 44 / ص 393.

[3] المصدر.

[4] المصدر.

[5] بحار الأنوار / ج 45 / ص 29.

[6] بحار الأنوار / ج 45 / ص 1.