بازگشت

و سقاه جده بالكأس الأوفي


مشي علي الأكبر الي الميدان. كانت المعركة ابداً غير متكافئة.كان عدد المقاتلين في جبهة النفاق ثلاثين ألفاً علي أقل الروايات.

ولكن علياً كان بطلاً ليس في قوته الجسدية الفائقه وتمرسه بفنون القتال فقط. ولكن ايضاً في عزمه وتوكله وبحثه عن الشهادة القاهرة. كان يريد الموت في سبيل الله ولكن يسبقه أخذ الثار من عدوه. موت المقتدر الظافر. وليس موت الذليل المقهور.

ولم تكن المعركة بعيدة عن موقع القيادة حيث يقف الامام الحسين (عليه السلام) مع الثلة الباقية من أهل بيته

يراقبها عن كثب.

وضع سيفه فيهم. فأرواه بدماءهم. واعاد الي المعركة صورة هجمات جـده الامام علي (عليه السلام).

حتي الهم الشعراء معركته فقال بعضهم:



ومــــا ادري اعــزي أم اهنــئ

عـلــي المرتضي بابــن الشهيــد



علي فــي الطفوف أقـام حربــاً

حربـك يا علــي علــي اليهــود



وكان في قتاله يرتجز ويقول:



انا علي بن الحسيــن بـن علـي

من عصبــة جـد ابيهــم النبـــي



والله لايحكم فينـا ابن الدعــي

اطعنـكــم بالرمح حتــي ينثنــي



ضـرب غـلام هاشمــي علـوي

وقتل منهم مقتلة عظيمة قيل أنه قتل علي عطشه مائة وعشرين رجلاً. [1] .



فمن بعد ان جنـدل كل من برز إليه من ابطـال الكوفة كأمثال بكر بن وائل عاد من المعركة؛ لا لكي يطالب أباه وإمامه بالجائزة، فعلي يعرف ان جائزته الجنة والرضوان. ولكن لعله ليستريح، وليتقوي علي الأعداء، وربما ايضاً ليثبت هيمنته علي ارض المعركة فهو يقتحمها متي شاء. ويعود منها أني اراد.. وهدف آخر كأن علياً كان يسعي اليه هو القاء نظرة أخيرة الي والده. ان حب علي الأكبر لوالده كان عميقاً نابعاً من حبه لربه فهذا الحسين إمامه وحجة الله عليه. وقائده الي ربه وولي أمره الإلهي. وقف أمامه وقال بكل احترام:

يا أبه العطش قد قتلني وثقل الحديد قد اجهدني فهل الي شربة مـاء من سبيل اتقوي بها علي الأعـداء؟

فبكي الحسين وقال يا بني يعز علي محمد وعلي علي بن أبي طالب وعليَّ أن تدعوهم فلا يجيبوك، وتستغيث بهم فلا يغيثوك يا بني هات لسانك، فأخـذ بلسانه فمصه ودفع اليـه خاتمـه وقال: امسكه في فيك وارجع الي قتال عدوك، فإني أرجو انك لاتمس حتي يسقيك جـدك

بكأسه الأوفي شربة لا تظمأ بعدها أبداً. [2] .

اولياء الله يتسابقون الي الدرجات العلي عنده. وهكذا

يبشر الامام (عليه السلام) ولده بالكأس الأوفي عند جده والذي يشربه قبل المساء؛ أي انه بالشهادة. ومن ثم بالفوز بالشراب الذي فيه الارواء الخالد.

وهكذا استمد البطل من قائده العزيمة وعاد الي المعركة بقلب صلب، وروح طافحة باليقين، وهنا أخذ يرتجـز قائــلاً:



الحرب قد بانت لها الحقــائــق

وظـهـرت من بعدهـا مصــادق



واللـه رب العــــرش لا نفــارق

جمـوعكـم او تغمـد البـــوارق



فلم يزل يقاتل حتي قتل تمام المائتين. [3] .

كـان علي الأكبر عازماً علي الشهادة، ولذلك فـإن قتاله كان قتال البطل المستميت، والشجاعة الفائقة. وهكذا استطاع عدوه (منقذ بن مرة العبدي، او مرة بن منقذ علي اختلاف الرواة) إستطـاع ان يغتاله ويسدد ضربة علي رأسه صرعتــه..

وبمجرد ان رأي اعداءه الموتورون ان البطل قد صـرع

احتوشوه وانهالوا عليه ضرباً بالسيوف. فاعتنق علي فرسه، ومن عادة الأفـراس العربية ان تفهم اشارة الاعتنـاق. وتعيد بالفرسان عندها الي موطن آمن ولكن الجيش المعادي كان قد احاط بعليّ الأكبر، وتدفق الدماء من رأسه علي عيني الجواد منعه من الاهتداء الي معسكر الحسين، فحمله الي عسكر الأعداء الذين دعاهم الحقد واللئامة الي ان ينهالوا عليه بسيوفهم ويقطعوه إرباً إرباً. [4] .

فـي هـذه الفترة العصيبة، لم يطلب علي النجدة من أبيـه. وتحمّل كل تلك الطعنات بصبر ويقين. ولكن عندما بلغت روحه التراقي قال رافعاً صوته:

يا أبتاه هذا جدي رسول الله (صلي الله عليه وآله) قد سقاني بكأسه الأوفي شربة لا أظمأ بعدها أبداً وهو يقول: العجل العجل!! فـإن لك كأساً مذخورة حتي تشربها الساعـة. [5] .

تلك كانت الكلمات الأخيرة التي نطق بها علي الأكبـر (عليه السلام). وكانت تعبيراً صادقاً عن ايمانه وعرفانه، ودرجات يقينه. وكانت زينب الكبري (عليها السلام) تراقب المعركة عن كثب فلما سقط علي الأكبر وسمعت صوته خرجت تنادي يا حبيباه، يا ثمرة فؤاداه، يا نور عيناه، فاقبلت حتي وصلت الي جثمان الشهيد فانكبت عليه فجاء الحسين (عليه السلام) فأخذ بيدها فردها الي الفسطاط. [6] .

واقبل الامام الحسين الي فتيان بني هاشم وقال: احملـوا أخاكـم فحملـوه مـن مصـرعـه فجـاءوا بـه حتـي وضعوه عند الفسطاط الذي كانوا يقاتلون أمامه. [7] .

ويظهـر من ذلك ان علي الأكبر كان أول شهيد من بني هاشـم. كما جاء في حديث مأثور عن الإمام الباقـر (عليه السلام). [8] .


پاورقي

[1] المصدر / ص 43.

[2] المصدر / ص 43.

[3] المصدر / ص 43 - 44.

[4] المصدر / ص 44.

[5] المصدر وتاريخ ابن الأثير / ج 3 / ص 293.

[6] المصدر/ ص 44.

[7] المصدر.

[8] المصدر / ص 45.