بازگشت

خلقا برسول الله


بلي اذن الحسين (عليه السلام) لولده باقتحام الشهادة. ولكن طريقة اذنه كانت فريدة..

رفع بصره الي السماء. وقال: اللهم إشهد علي هؤلاء القوم. فقد برز اليهم غلام اشبه الناس خَلقاً وخُلقاً ومنطقاً برسولك، وكنا إذا اشتقنا الي نبيك نظرنا الي وجهه، اللهم امنعهم بركات الأرض، وفرقهم تفريقاً، ومزقهم تمزيقاً، واجعلهم طرائق قدداً، ولا ترض الولاة عنهم أبداً، فانهم دعونا لينصرونا ثم عدوا علينـا يقاتلوننـا.

ثـم صاح الحسين بعمـر بن سعد: مالك؟ قطع اللـــه

رحمك ولا بارك الله لك في أمرك، وسلّط عليك مـن يذبحك بعدي علي فراشك كما قطعت رحمي ولم تحفظ قرابتي من رسول الله ثم رفع الحسين صوته وتلا: إن الله اصطفي آدم ونوحاً وآل ابراهيـم وآل عمران علي العالمين ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم [1] .

وهكذا أعطي الامام وساماً عالياً لهذا المجاهد الأمثل عند انطلاقته في عملية استشهادية فريدة.ولم يفه الامام المعصوم (عليه السلام) بحرف باطلاً حاشا لله. إنه مصباح الهدي وسفينة نجاة كما كتب علي ســاق العرش، فكيف ينطق بالباطل.

في واقعة مشابهة عندما برز الامام أمير المؤمنين (عليه السلام) الي عمر بن ود العامري في معركة الخندق. هناك ايضاً اعطي النبي له وساماً عظيماً حينما قال: برز الايمان كلّه الي الكفر كلّه..

منـذ القديم كان الناس يعرفون بفطرتهم امكانية انتقـال

الصفات الجسدية والنفسية من الأب لإبنه او الجد لحفيده. ولكنّ البحوث العلمية الحديثة عمقت عندنا هذه المعرفة، حينما كشفت لنا عن الجينات المورثة ومدي اثرها في نقل الصفات من جيل لآخـر. وهكذا كان علي الأكبر (عليه السلام) أشبه الناس برسول الله. حيث تجلت فيـه شمائل الرسول الكريمة. من نبرات صوته الي ملامح وجهه الي طريقة مشيته. حتي انه نقل أن يهوديــاً رأي في المنام رسول الله (صلي الله عليه وآله) فقرر ان يعتنق الدين الاسلامي. فجاء الي الامام الحسين (عليه السلام) فادعي رؤية رسول الله. فسأله ان كان يعرفه لو شاهده. قـال: بلي. فطلب علياً الأكبر. فلما رآه استغرق في العجب وقال كأنه هو.

كانت ولا تزال الأمة الاسلامية بأشد ما تكون من الشوق الي رسول الله. حتي أن من الأدعية الشائعة حتي الان بين المؤمنين الدعوة لبعضهم البعض برؤية وجه رسول الله. وهكذا كان يتسلي المسلمون في ذلك العهد حيث ملامح الرسول لم تزل معروفة عند الكثير ممن رآه او سمع كامل وصفه ممن رآه من اصحاب الرسول، كان يتسلي المسلمون بالنظر الي علي الأكبر.

ولكن هذه الصورة المشابهة جسدياً ونفسياً للرسـول أصبحت مادة ثمينة للتربية المثلي. فاذا كانت صــورة علي الأكبر شبيهة بالنبي، فإن نفسه أشـد ما تكون مناسبة لتلقـي اخلاق الرسول ايضـاً..

انها ذهبة خالصة، صاغتها يد الولاية. يد الامام الحسين سبط النبي فصارت أشبه الناس خلقاً برسول الله (صلي الله عليه وآله) وأنها شهادة عظيمة وعظيمة جداً ان يمتثل شخص (من غير الأئمة) صفات الرسول. كان الرسول هو القرآن بكل جماله وبهاءه وعظمته وروعته. ولقد وصفه الله سبحانه بأنه علي خلق عظيم.

وقد سري حتي اليوم عطر خلقه في حقول الايمان حتي انتشي به كل من أراد كمالاً او رام جمالاً. باخلاقه العطرة (صلي الله عليه وآله) فتح القلوب، وملك الأفئدة حتي قلوب اعداءه..

وعلي الأكبر (عليه السلام) تمثل تلك الأخلاق بأجلي

صورها. فمن طلاقة الوجه، الي أدب المنطق، الي استقامة السلوك، الي العفو والصفح، الي الصبر والزهد، الي التقوي واليقيـن، الي الشجاعة والتوكل، وبالتالـي الي الخلق الذي هو أصل كل خلق فاضل وجذر كل سمو أي الصلة بالله سبحانه.

إن بلوغ شخص درجة عالية من العلم،كمال، لاشك فـي اهميته وصعوبته. ولكن بلوغ انسان الي درجة عالية من الأخلاق وبهذا المستوي الأسمي من مجاهـدة النفس واتباع الوحي، وتمثل الرسالة.. انها كمال لايسمو اليه كمـال.. ولقـد بلغـه علـي الأكبـر بشهـادة الامام الحسيـن (عليه السلام).

وانا وأنت. كم نخسر لو ضيعنا فرصة العمر الوحيدة ولما نتمثل خلق الرسول ولو بصورة جزئية. إن المال والجاه والزخارف الدنيوية كلها تصحبنا في أحسن الفروض الي بوابة الآخرة، أي باب القبر. بينما الخلق الفاضل يصحبنا ليكون عوناً عند سكرات الموت، وأنيساً في بيت القبـر، وأمناً عند هول المطلع، ونوراً في القيامة، وثقلاً في الميزان عند الحساب، ودرجة عاليـة في الجنان. علي أنه في الدنيا نور وذكر حسن وسعادة.

ولأن علي الأكبر (عليه السلام) كان قمة في الخلق المحمدي فقد شهد بفضله الناس وفرض شخصيته حتي علــي أعداءه. فهذا معاوية يزعم إن اولي الناس بالخلافـة

إذا تجاوزت بني أمية انما هو علي الأكبر [2] .

وكلام معاوية لا يهمنا إلا بقدر انه يعكس مدي انتشار ذكر علي الأكبر (عليه السلام) العطر في الآفاق حتي اضطر عدوه وعدو البيت الهاشمي الي الاعتراف بفضله.


پاورقي

[1] بحار الأنوار / ج 45 / ص 43.

[2] بحار الأنوار / ج 45 / ص 45.