بازگشت

يا ابتاه ائذن لي بالقتال


وأوغل ركب الرسالة في الصحراء غير آبه بالمنايا التي كانت تلاحقهم. ولعل فتيان بني هاشم الذين شهدوا حوار الامام الحسين (عليه السلام) مع علي الأكبر تباشروا بالشهادة، اذ انه منذ صلح الأمام الحسن المجتبي (عليه السلام) مع معاوية. وتوقف الحرب الساخنة، قلّت فرص الشهادة لبني هاشم. وكانت تلك أسرة قد اكرمها الله بها. وكان من الصعب علي فتي هاشمي ان يفكر انه يموت علي فراشه. ولا يحظي بالقتل في سبيل الله. إلا انهم اليوم يجدون فرصة ذهبية. الشهـادة تحت راية أبي عبد الله الحسين (عليه السلام)

سبــط الرسالة وسيد شباب أهل الجنة. إنهـا اعظم أمنيـة

للمسلم وبالذات لابناء الرسالة.

وهكذا يفترض أن تكون كلمة الامام (عليه السلام) وجواب ابنه قد اشعلت في نفوس بني هاشم جذوة الايمان. وأخذوا يستعدون للقاء الله..

وتوقف الركب في ارض كربلاء. حيث كانت واقعة عاشوراء حديثاً معروفاً في بيت الوحي. منذ ان جلس الرسول (صلي الله عليه وآله) في بيت فاطمة الزهراء ابنته الصديقة يحيط به الامام أمير المؤمنين والحسنان.. وابتسامة الشكر وبشري الحمد تعلوان محيـاه.

ولِمَ لا يسر فهذه ابنته سيدة نساء العالمين. وهذا وصيه سيد الخلق بعد الرسول. وهذان سبطاه سيدا شباب أهل الجنة. انها اعظم نعمة حباها الله سبحانه لرسوله. وكان سروره بهم عظيماً. ولكن جبرئيـل أخبره بما يجري علي أهل بيتـه من بعده وبالذات بمصرع الحسين (عليه السلام)، فقــام النبــي الي زاوية البيت فصلي ركعات فلما كان في آخر سجوده بكي بكاءً شديداً فلم يسأله أحد منا (الحديث مأثور عن أميـر المؤمنيـن عليـه السلام واللفظ مروي عنه) اجــلالاً

وإعظامـاً لـه.

فقـام الحسين في حجـره وقال له: يا أبه لقد دخلت بيتنا فما سررنــا بشيء كسرورنا بدخولك ثم بكيت بكاءً غمنا فما ابكاك؟ فقال: يا بني أتاني جبرئيل (عليه السلام) آنفـاً فأخبرنـي انكم قتلي وان مصارعكم شتـي [1] .

وفي مناسبـات عديـدة اخري أخبر النبي (صلي الله عليه وآله) بواقعــة الطف التــي تحولت الي عهـد في بيت الرسالـة. وبالذات عند اقتراب رحيل فاطمة الــزهراء (عليهــا السلام) حيث قالـــوا انها وصّت ابنتهــا زينب (عليها السلام) بالحسين في واقعة كربلاء. وعند شهادة الامام علي (عليه السلام) حيث سألته ابنته عن حديث كربلاء، فقال لها وهو في ساعاته الأخيرة: الحديث كمـا حدثتك أم ايمن. ثم اخبرها بمصيبة سبيها. وعند وفاة الامام المجتبي (عليه السلام) كانت مناسبة للحديث عن يوم الحسين (عليه السلام) حيث قال سلام الله عليه: ولكن لا يوم كيومك يا أبا عبد الله..

فلما توقفت قافلة الشهادة في الطف. وعرف الجميع ان اسم تلك الأرض كربلاء، تماوجت في وعيهم كل تلك الأحاديث فهاهي الحقيقة ماثلة بكل عنفوانها وعظمتها، انها كربلاء؛ ارض الشهادة، ارض الملحمة الكبري، ارض البطولات النادرة، ارض الصراع بين الحق الذي ينتصر بالرغم من شهـادة دعاتـه. والباطل الذي يتلاشي بالرغم من نشوة اعوانه.

في ليلة عاشوراء، حيث اجتمع المجاهدون من حملة رسالة الوحي. كان بنو هاشم يطالبون بالمبادرة الي المعركة غداً. ليسبقوا الاصحاب الي شرف الشهادة. ولكن الأصحاب وفيهم البقية من اصحاب النبي (صلي الله عليه وآله) أبوا إلاّ ان يفدوا أهل بيت الرسالة بأنفسهم. واتفق الجميع علي ذلك..

وفـي يوم الواقعـة وبعد أن أبلي اصحاب الامام في نصرة الحـق بـلاءً حسنـاً. واستشهدوا جميعاً، بادر علي الأكبر (عليه السلام) بالمثول أمام والده يستأذنه في البراز..

كــانت تلك ساعــة بالغة الروعة.. لقد وقـف الفتــي

الرشيد مستطيلاً علي الزمن، متحدياً الحياة الدنيا، مستشرفاً آفاق الآخرة. وقف امام والده يطلب منه الاذن بأن يقتحم غابة الذئاب حيث تتموج غمرات الموت..

لم يتردد الامام الحسين (عليه السلام) في الاذن له. بل وتشجيعه، بالرغم من عمق حبه له وعظيم شفقته عليه، وبالغ منزلته عنده. إنه يمثل اسمي تطلعاتـه في الدنيا أن يبقي علي يمثل خطه ويحمي قيمه. ولكنه يعرف أن حماية القيم انما هي ببذل دمه. وتمزق جسده أمام عيني أبيه. وهكذا أذن له..


پاورقي

[1] بحار الأنوار / ج 44 / ص 234.