بازگشت

مشروعية البكاء علي سيدالشهداء


قال الكاتب: وما يذكر عن فضل البكاء في عاشوراء غير صحيح، إنما النياحة واللطم أمر من أمور الجاهلية التي نهي النبي (ص) عنها وأمر باجتنابها وليس هذا منطق أموي حتي يقف الشيعة منه موقف العداء بل هو منطق أهل البيت رضوان الله عليهم وهو مروي عنهم عند الشيعة كما هو مروي عنهم أيضا عند أهـل السنة، فقد روي ابن بابويه القمي في (من لا يحضره الفقيه) أن رسول الله (ص) قال: النياحة من عمل الجاهلية …. إن إشكال القوم علي الشيعة فيما يخص مراسيم إحياء ذكري سيد الشهداء عليه السلام محصورة في النقاط التالية: أ- منع البكاء علي الميت مطلقاً. واستدلوا علي ذلك بأن الميت يعذب ببكاء أهله عليه، وقد رواه ابن عمر. ويرد عليه: أولا: لا شك ببطلان مثل هذا الادعاء خاصة مع وضوح بكاء النبي يعقوب علي ابنه يوسف عليهما السلام، في قوله تعالي: (وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم). ثانيا: إن عائشة لم تقبل بذلك وقد صرحت بأن ابن عمر لم يحفظ الرواية بصورة صحيحة وأن قوله هذا مخالف لقوله تعالي: (ولا تزر وازرة وزر أخري)، كما يروي ذلك البخاري في كتاب المغازي ومسلم في كتاب الجنائز. ب – الإشكال علي خصوص تكرار البكاء علي الإمام الحسين (ع) وإعادة ذكر مصيبته في كل سنة أولا: يرد هذا الأمر بأن يعقوب (ع) قد أشكل عليه أبناؤه كما ينقل عنهم القرآن الكريم (تالله تفتأ تذكر يوسف حتي تكون حرضا أو تكون من الهالكين)، فقوله تفتأ دليل علي تكراره ذلك الأمر، فحسب الشيعة فخرا أن تقتدي بأنبياء الله (ع) حينما يبكون علي أوليائه. ومكانة الحسين لا ينكرها إلا معاند، فشأنه عند الله تعالي يتجلي بما سبق ذكره من العلامات التي ظهرت في الكون وعبرت عن الغضب الإلهي علي قتلته (ع)، وكذلك في الحديث الذي مر ذكره من أن الله تعالي قد أوحي إلي نبيه (ص) بأنه عز وجل إذا كان قد انتقم لدم يحيي (ع) بقتل سبعين ألف فسوف ينتقم لدم الحسين (ع) بسبعين ألف وسبعين ألف. ثانيا: وقد أجاب الإمام زين العابدين (ع) بما دل من القرآن علي استمرار حزن يعقوب عند رده علي من أشكل عليه باستمرار حزنه علي أبيه كما أورده أبو نعيم الأصفهاني عن الحسين (ع) في (حلية الأولياء) ج3 ص 162عن كثرة بكائه - أي بكاء زين العابدين (ع)- فقال: لا تلوموني فإن يعقوب فقد سبطا من ولده فبكي حتي ابيضت عيناه ولم يعلم أنه مات وقد نظرت إلي أربعة عشر رجلا من أهـل بيتي في غزاة واحدة أفترون حزنهم يـذهب مـن قلبي؟. وهذا الإشكال من السلفيين هو نفس الإشكال علي إحياء ذكري المولد النبوي من التكرار السنوي للذكري، فالأمر محبب، وهو مثل تكرار دراسة الفقه أو الحديث أو القرآن الكريم. ج - النياحة: وقد أورد نصا من كتب الشيعة يصف النياحة بأنها من عمل الجاهلية، ويرد عليه: أولا: أن هذه الرواية موجودة في مصادر السنة قبل الشيعة ومع ذلك فإن من علماء السنة من أجاز النياحة ولم يعتبر هذا النص مانعا من جوازها، وقد أقر ابن حجر بهذا الخلاف في كتابه (فتح الباري) ج3 ص 161 عند شرحه لعنوان الباب الذي وضعه البخاري في صحيحه (باب ما يكره من النياحة علي الميت): قال الزين بن المنير: ما موصولة ومن لبيان الجنس فالتقدير الذي يكره من جنس البكاء وهو النياحة، والمراد بالكراهة كراهة التحريم لما تقدم من الوعيد عليه انتهي، ويحتمل أن تكون ما مصدرية ومن تبعيضة والتقدير كراهية بعض النياحة أشار إلي ذلك ابن المرابط وغيره ونقل ابن قدامة عن أحمد رواية أن النياحة لا تحرم وفيه نظر، وكأنه أخذه من كونه (ص) لمن ينه عمة جابر لما ناحت عليه فدل علي أن النياحة إنما تحرم إذا انضاف إليها فعل من ضرب خد أو شق جيب وفيه نظر … وكذلك بحث الأمر ابن القيم وذكر الخلاف في كتابه (عدة الصابرين) ج1 ص83 في الباب الثامن عشر في ذكر أمور تتعلق بالمصيبة من البكاء والندب … قائلا: وأما الندب و النياحة فنص أحمد علي تحريمها قال في رواية حنبل النياحة معصية وقال أصحاب الشافعي وغيرهم النوح حرام وقال ابن عبدالبر أجمع العلماء علي أن النياحة لا تجوز للرجال ولا للنساء. وقال بعض المتأخرين من أصحاب أحمد: يكره تنزيها وهذا لفظ أبي الخطاب في (الهداية) قال: ويكره الندب والنياحة وخمش الوجوه وشق الجيوب والتحفي، والصواب القول بالتحريم … وقال المبيحون لمجرد الندب والنياحة مع كراهتهم له: روي حرب عن واثلة بن الأسقع وأبي وائل (وهما من الصحابة) أنهما كانا يسمعها النوح ويسكتان. قالوا وفي الصحيحين عن أم عطية لما نزلت هذه الآية يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك … ونهانا عن النياحة فقبضت منا امرأة يدها فقالت: فلانة أسعدتني فأنا أريد أن أجزيها قالت: فما قال لها شيئا فذهبت فانطلقت ثم رجعت فبايعها. قالوا وهذا الإذن لبعضهن في فعله يدل علي أن النهي عنه تنزيه لا تحريم ويتعين حمله علي المجرد من تلك المفاسد جمعا بين الأدلة. انتهي المنقول من كلام ابن القيم. والقصد من إيراده أن بعض علماء السنة قال بجواز النياحة مع وجود الروايات الناهية عندهم كرواية النياحة من عمل الجاهلية فما هو جوابكم عن هذا، أفلا تسمح للفقه الشيعي أن يقول بالجواز مع ورود الرواية المذكورة في مصادرة. والعجب من ابن تيمية حينما يدافع عن يزيد يقول في منهاج السنة ج4 ص 559: وفي الجملة فما يعرف في الإسلام أن المسلمين سبوا امرأة يعرفون أنها هاشمية ولا سبي عيال الحسين (ع) بل لما دخلوا إلي بيت يزيد قامت النياحة في بيته وأكرمهم وخيرهم بين المقام عنده والذهاب إلي المدينة فاختاروا الرجوع إلي المدينة. فلاحظ أن ابن تيمية يمدح يزيدا علي إقامته النياحة علي الحسين (ع).. وهو قاتله!! ثانيا: أن علماء الطائفة لم يخف عليهم أمر الرواية، وكما كان لعلماء السنة آراء واجتهادات لفهم النص، كذلك كانت لعلمائنا رضوان الله تعالي عليهم. فينبغي للعاقل أن يطلع علي آراء علماء الطائفة وموقفهم تجاه هذا النص الشريف. ويكفي للقاريء ملاحظة ما ورد في كتاب (العروة الوثقي) وهو كتاب يحشد آراء مجموعة من علماء الشيعة الفقهية في حقبة من الزمان، حيث تجد في الجزء الأول ص 447 من كتاب الطهارة تحت عنوان مكروهات الدفن حديثا مفصلا حول تلك الأمور فيقول السيد اليزدي (ره): (1 مسألة) يجوز البكاء علي الميت ولو كان مع الصوت بل قد يكون راجحا كما إذا كان مسكنا للحزن وحرقة القلب بشرط أن لا يكون منافيا للرضا بقضاء الله، ولا فرق بين الرحم وغيره، بل قد مر استحباب البكاء علي المؤمن، بل يستفاد من بعض الأخبار جواز البكاء علي الأليف الضال والخبر الذي ينقل من أن الميت يعذب ببكاء أهله ضعيف مناف لقوله تعالي: (ولا تزر وازرة وزر أخري) وأما البكاء المشتمل علي الجزع وعدم الصبر فجائز ما لم يكن مقرونا بعدم الرضا بقضاء الله نعم يوجب حبط الأجر ولا يبعد كراهته. (2 مسألة) يجوز النوح علي الميت بالنظم والنثر ما لم يتضمن الكذب ولم يكن مشتملا علي الويل والثبور، لكن يكره في الليل ويجوز أخذ الأجرة عليه إذا لم يكن بالباطل، لكن الأولي أن لا يشترط أولا. (3 مسألة) لا يجوز اللطم والخدش وجز الشعر بل والصراخ الخارج عن حد الاعتدال علي الأحوط وكذا لا يجوز شق الثوب علي غير الأب والأخ والأحوط تركه فيهما أيضا. هذا علما بأن هذه الفتاوي بكراهة الجزع أو النياحة ناظرة إلي غير مصاب سيد الشهداء (ع) وأما مصابه أرواحنا له الفداء فقد وردت روايات خاصة عن أهل بيت العصمة (ع) تجعله مصابا مميزا عن غيره لا تشمله هاتك الأحكام. ثالثا: وفيما يخص روايات أهل البيت عليهم السلام، فقد روي الطوسي في أماليه كما عن البحار ج44 ص 280 عن المفيد عن ابن قولويه عن أبيه عن سعد عن ابن عيسي عن ابن محبوب عن أبي محمد الأنصاري عن معاوية بن وهب عن أبي عبدالله (ع) قال: كل الجزع والبكاء مكروه سوي الجزع والبكاء علي الحسين (ع). والسند تام فكل الرواة ثقات عدا أبو محمد الأنصاري وقد قال عنه السيد الخوئي (ره) في (المعجم) ج22 ص 36: أبو محمد الأنصاري هذا يعتد بقوله لقول محمد بن عبدالجبار في رواية الكافي المتقدمة أنه خير … وأما قول نصر بن الصباح من أنه مجهول لا يعرف فلا يعتني به لأن نصر بن الصباح ضعيف. ورواه ابن قولويه في (كامل الزيارات) مثل الرواية السابقة عن أبي عن سعد عن الجاموراني عن الحسن بن علي بن أبي حمزة عن أبيه عن أبي عبد الله (ع) سمعته يقول: إن البكاء والجزع مكروه للعبد في كل ما جزع ما خلا البكاء علي الحسين بن علي عليهما السلام فإنه فيه مأجور. فهذه الرواية صريحة في أن المكروه السابق لا يشمل الحزن علي سيد الشهداء الحسين (ع). هذا وقد أشبع الحديث عن ذلك العلامة في المنتهي فقد نقل عنه العلامة المجلسي في البحار ج82 ص 104: قال العلامة قدس الله روحه في المنتهي: البكاء علي الميت جائز غير مكروه إجماعا قبل خروج الروح وبعده إلا الشافعي فإنه كره بعد الخروج … والنياحة بالباطل محرمة إجماعا أما بالحق فجائزة إجماعا ويحرم ضرب الخدود ونتف الشعر وشق الثوب إلا في موت الأب والأخ فقد سوغ فيهما شق الثوب للرجل وكذا يكره الدعاء بالويل والثبور. وقال الشهيد نور الله ضريحه في (الذكري): يحرم اللطم والخدش وجز الشعر إجماعا قاله في المبسوط لما فيه من السخط لقضاء الله … واستثني الأصحاب إلا ابن إدريس شق الثوب علي موت الأب والأخ لفعل العسكري علي الهادي (ع) وفعل الفاطميات علي الحسين (ع) … وسئل الصادق (ع) عن أجر النائحة فقال: لا بأس قد نيح علي رسول الله (ص) وفي آخر لا بأس بكسب النائحة إذا قالت صدقا … وروي أبو حمزة عن الباقر (ع) مات ابن المغيرة فسألت أم سلمة النبي (ص) أن يأذن لها في المضي إلي مناحته فأذن لها وكان ابن عمها – ثم رثته بأبيات – وفي تمام الحديث فما عاب عليها النبي (ص) ذلك ولا قال شيئا. ثم قال قدس سره: يجوز الوقف علي النوائح لأنه فعل مباح فجاز صرف المال إليه ولخبر يونس بن يعقوب عن الصادق (ع) قال: قال لي أبو جعفر (ع) قف من مالي كذا وكذا لنوادب تندبني عشر سنين بمني أيام مني والمراد بذلك تنبيه الناس علي فضائله وإظهارها ليقتدي بها … وقد حرم الشيخ في المبسوط - وكذلك ابن حمزة - النوح وادعي الشيخ الإجماع، والظاهر أنهما أرادا النوح بالباطل أو المشتمل علي المحرم كما قيده في (النهاية) وفي (التهذيب) جعل كسبهما مكروها بعد روايته أحاديث النوح. ثم أول الشهيد (ره) أحاديث المانع المروية من طرق المخالفين بالحمل علي ما كان مشتملا علي الباطل أو المحرم لأن نياحة الجاهلية كانت كذلك غالبا، ثم قال: المراثي المنظومة جائزة عندنا وقد سمع الأئمة (ع) المراثي ولم ينكروها. انتهي ما نقله العلامة المجلسي.