بازگشت

خطبة الامام السجاد في مدخل المدينة


فنزلت [عن فرسي] و تخطيت رقاب الناس حتي قربت من باب الفسطاط، و كان علي بن الحسين عليهماالسلام داخلا، فخرج و معه خرقة يمسح بها دموعه، و خلفه خادم معه كرسي، فوضعه له و جلس عليه، و هو لا يتمالك من العبرة، و ارتفعت أصوات الناس بالبكاء، و حنين الجواري و النساء.

و الناس من كل ناحية يعزونه، فضجت تلك البقعة ضجة شديدة.

فأومأ بيده الي الناس أن اسكتوا، فسكتت فورتهم، فقال عليه السلام:

الحمد لله رب العالمين [الرحمان الرحيم]، مالك يوم الدين، باري ء الخلائق


أجمعين، الذي بعد فارتقع في السماوات العلي، و قرب فشهد النجوي، نحمده علي عظائم الامور، و فجائع الدهور، و ألم الفجائع، و مضاضة [1] اللواذع، و جليل الرزء، و عظيم المصائب، القاطعة الكاظمة، الفادحة [2] الجائحة.

أيها الناس! ان الله تعالي - و له الحمد - ابتلانا بمصائب جليلة، و ثلمة في الاسلام عظيمة، قتل أبوعبدالله عليه السلام و عرته، و سبي نساؤه و صبيته، و داروا برأسه في البلدان فوق عالي السنان [3] ، و هذه الرزية التي لا مثلها رزية.

أيها الناس! فأي رجالات منكم يسرون بقتله؟ أم أية عين [منكم] تحبس دمعها و تضن عن انهمالها؟

قلقد بكت السبع الشداد لقتله، و بكت البحار بأمواجها، و السماوات بأركانها، و الأرض بأرجائها، و الأشجار بأغصانها، و الحيتان في لجج البحار، و الملائكة المقربون، و أهل السماوات أجمعون.

أيها الناس! أي قلب لا يتصدع لقتله؟ أم أي فؤاد لا يحن اليه؟ أم أي سمع يسمع هذه الثلمة التي ثلمت في الاسلام [و لا يصم]؟

أيها الناس! أصبحنا مطرودين مشردين [مذودين] شاسعين عن الأمصار، كأننا أولاد ترك و كابل، من غير جرم اجترمناه، و لا مكروه ارتكبناه، و لا ثلمة في الاسلام ثلمناها، ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين، ان هذا الا اختلاق.


فوالله؛ لو أن النبي صلي الله عليه و آله و سلم تقدم اليهم [في قتالنا كما تقدم اليهم] [4] في الوصاية بنا لما زادوا علي ما فعلوا بنا، فانا لله و انا اليه راجعون، من مصيبة ما أعظمها، و أوجعها و أفجعها، و أكظها، و أقطعها [5] ، و أمرها و أفدحها، فعند الله نحتسبه فيما أصابنا، و ما بلغ بنا انه عزيز ذو انتقام.

قال: فقام صوحان بن صعصعة بن صوحان - و كان زمنا - فاعتذر اليه صلوات الله عليه بما عنده من زمانة رجلية، فأجابه بقبول معذرته، و حسن الظن فيه، و شكر له و ترحم علي أبيه، انتهي [6] .


پاورقي

[1] المضاضة - بفتح الميم -: وجع المصيبة، «منه رحمه الله».

[2] في المصدر: المصائب الفاظعة، الکاظة الفادحة، و في البحار: المصائب الفاضعة، الکاظة الفادحة.

[3] في المصدر: من فوق عامل السنان.

[4] من المصدر و البحار.

[5] في المصدر و البحار: و أفظها.

[6] اللهوف: 230 - 226، عنه البحار: 149 - 147 / 45.