المنهال بن عمرو مع الامام السجاد
و في كتاب «الأنوار النعمانية» عن المنهال بن عمرو قال: بينما أنا أتمشي في السوق من دمشق و اذا أنا بعلي بن الحسين عليه السلام يتوكأ علي عصا، و رجلاه كأنهما قصبتان و الدم يسيل من ساقيه، و الصفرة قد زادت عليه، فخنقتني العبرة فاعترضته، و قلت: كيف أصبحت يابن رسول الله؟
قال: فبكي، و قال: كيف حال من أصبح أسيرا ليزيد بن معاوية لعنه الله، و نسائي الي الان ما شبعن بطونهن، و لا كسين رؤوسهن، نائحات الليل و النهار.
و نحن يا منهال! كمثل بني اسرائيل في آل فرعون، يذبحون أبنائهم، و يستحيون نسائهم أمست العرب تفتخر علي العجم بأن محمدا نبي عربي، و أمست القريش تفتخر علي العرب بأن محمدا منهم، و أمسينا معشر أهل البيت مغصوبين مقتولين مشردين ما يدعونا يزيد الي مرة الا و نظن القتل، انا لله و إنا اليه راجعون.
قلت: يا سيدي! و الي أين تريد؟
قال: المجلس الذي نحن فيه ليس له سقف، و الشمس تصهرنا به و لا نري الهوا، فأفر منه سويعة لضعف بدني، و أرجع خشية علي النساء.
فبينما هو يخاطبني و أخاطبه، و اذا بامرأة تناديه.
فتركني و رجع اليها، فحققت النظر اليها و اذ هي زينب بنت علي عليهماالسلام
تدعوه. الي أين نمضي يا قرة عيني؟
فرجع اليها و ما تحرقت عنه و لم أزل أذكره و أبكي [1] .
قال السيد رحمه الله: و دعا يزيد يوما بعلي بن الحسين عليهماالسلام و عمرو بن الحسن عليه السلام و كان عمرو صغيرا يقال: ان عمره احدي عشر سنة، فقال له: أتصارع ابني هذا [يعني ابنه] خالدا؟
فقال عمرو: لا، و لكن أعطني سكينا، و أعطه سكينا، ثم أقاتله.
فقال يزيد لعنه الله:
شنشنة أعرفها من أخزم
هل تلد الحية الا الحية؟ [2] [3] .
و في ذيل رواية «الاحتجاح»: فلما انصرف يزيد لعنه الله الي منزله، دعا بعلي بن الحسين عليه السلام، فقال: يا علي! أتصارع ابني خالدا؟
قال عليه السلام: و ما تصنع بمصارعتي اياه أعطني سكينا و أعطه سكينا فليقتل أقوانا أضعفنا.
فضمه عليه السلام يزيد لعنه الله الي صدره، ثم قال: لا تلد الحية الا الحية، أشهد أنك ابن علي بن أبي طالب عليه السلام.
ثم قال له علي بن الحسين عليه السلام: يا يزيد! بلغني أنك تريد قتلي، فان كنت لابد قاتلي فوجه مع هؤلاء النسوة من يردهن [4] الي حرم جدهن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم.
فقال له يزيد لعنه الله: لا يردهن [5] غيرك، لعن الله ابن مرجانة، فو الله؛ ما أمراته بقتل أبيك، و لو كنت متوليا لقتاله ما قتله. [6] .
و في «البحار» عن «المناقب» روي: أنه لعنه الله قال لزينب عليهاالسلام: تكلمي، فقالت: هو المتكلم، فأنشأ السجاد عليه السلام:
لا تطمعوا أن تهينونا فنكرمكم
و أن نكف الأذي عنكم و تؤذونا
و الله يعلم أنا لا نحبكم
و لا نلومكم أن لا تحبونا
فقال: صدقت يا غلام! و لكن أراد أبوك وجدك أن يكونا أميرين، و الحمد لله الذي قتلهما، و سفك دمائهما.
فقال عليه السلام: لم تزل النبوة و الامرة لآبائي و أجدادي من قبل أن تولد [7] .
و في «البحار» عن «دعوات الراوندي»: أنه لما حمل علي بن الحسين عليه السلام الي يزيد لعنه الله هم بضرب عنقه، فوقفه بين يديه و هو يكلمه ليتنطقه بكلمة يوجب بها قتله.
و علي عليه السلام يجيبه حسبما يكلمه، و في يده سبحة صغيرة يديرها بأصابعه و هو يتكلم، فقال له يزيد لعنه الله: أكلمك و أنت تجيبني و تدير أصابعك بسبحة في يدك فكيف يجوز لك؟
فقال: حدثني أبي عن جدي أنه كان اذا صلي الغداة، و انفتل لا يتكلم حتي يأخذ سبحة بين يديه فيقول:
«اللهم اني أصبحت أسبحك، و أحمدك و أمجدك و أهللك بعدد ما أدير به سبحتي».
و يأخذ السبحة و يديرها، و هو يتكلم بما يريد من غير أن يتكلم بالتسبيح، و ذكر أن ذلك محتسب له و هو حرز الي أن يأوي الي فراشه.
فاذا آوي الي فراشه قال مثل ذلك القول، و وضع سبحته تحت رأسه فهو محسبوبة له من الوقت الي الوقت، ففعلت هذا اقتداء بجدي.
فقال له يزيد لعنه الله: لست اكلم أحدا منكم الا و يجيبني بما يعود [8] به وعفا عنه و وصله و أمر باطلاقه [9] .
پاورقي
[1] البحار: 45 / 143 و 175 (نحوه).
[2] شطر بيت لأبي أخزم الطائي، و هو جد حاتم - أو جد جده - مات ابنه أخزم و ترک بنين، فوثبوا يوما علي جدهم فأدموه فقال:
ان بني رملوني بالدم
من يلق آساد الرجال يکلم
و من يکن درء به يقوم
شنشة أعرفها من أخزم
يعني أن هؤلاء اشتهوا أباهم في العقوق، و الشنشة: الطبيعة (هامش البحار).
[3] اللهوف: 223 و 224، البحار: 143 / 45.
[4] في المصدر: يؤديهن.
[5] في المصدر: يؤديهن.
[6] الاحتجاج: 2 / 39 و 40، البحار: 175 / 45 (نحوه).
[7] البحار: 45 / 175 و 176.
[8] في بعض النسخ [و البحار]: يعود، «منه رحمه الله».
[9] البحار: 200 / 45.