بازگشت

خطبة السجاد في مجلس يزيد


قال: فلم يزالوا به حتي أذن له فصعد المنبر، فحمد الله و أثني عليه، ثم خطب خطبة أبكي منها العيون، و أوجل منها القلوب، ثم قال:

أيها الناس! أعطينا ستا و فضلنا بسيبع: أعطينا العلم، و الحلم، و السماحة، و الفصاحة، و الشجاعة، و المحبة في قلوب المؤمنين.

و فضلنا بأن منا النبي المختار محمدا صلي الله عليه و آله و سلم و منا الصديق، و منا الطيار، و منا أسد الله و أسد رسوله، و منا سبطا الأمة، و منا مهدي هذه الأمة، من عرفني فقد عرفني، و من لم يعرفني أبنائه بحسبي و نسبي.

أيها الناس! أنا ابن مكة و مني، أنا ابن زمزم و الصفا، أنا ابن من حمل الزكاة بأطراف الرداء، أنا ابن خير من ائتزر و ارتدي، أنا ابن خير من انعل و احتفي، أنا بن خير من طاف و سعي، أنا ابن خير من حج و لبي.

أنا بن من حمل علي البراق في الهوا، أنا ابن من أسري به من المسجد الحرام الي المسجد الأقصي، أنا ابن من بلغ به جبرئيل الي سدرة المنتهي، أنا ابن من دني فتدلي فكان قاب قوسين أو أدني.

أنا ابن صلي بملائكة السماء، أنا ابن من أوحي اليه الجليل ما أؤحي، أنا ابن محمد المصطفي، أنا ابن علي المرتضي.

أنا ابن مضرب خراطيم الخلق حتي قالوا: لا اله الا الله.

أنا ابن من ضرب بين يدي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم بسيفين، و طعن برمحين، و هاجر الهجرتين، و بايع البيعتين، و قاتل ببدر و حنين، و لم يكفر بالله طرفة عين.


أنا ابن صالح المؤمنين، و وارث النبيين، و قامع الملحدين، و يعسوب المسلمين، و نور المجاهدين، و زين العابدين، و تاج البكائين، و أصبر الصابرين، و أفضل القائمين من آل ياسين رسول رب العالمين.

أنا ابن المؤيد بجبرئيل، المنصور بميكائيل، أنا ابن المحامي عن حرم المسلمين، و قاتل المارقين و الناكثين و القاسطين، و المجاهد أعداءه الناصبين، و أفخر من مشي من قريش أجمعين.

و أول من أجاب و استجباب لله و لرسوله من المؤمنين، و أول السابقين، و قاصم المعتدين، و مبيد المشركين، و سهم من مرامي الله علي المنافقين، و لسان حكمة رب العالمين.

و ناصر دين الله، و ولي أمر الله، و بستان حكمة الله، و عيبة علمه، سمح [1] سخي، [بهي] بهلول [2] ، زكي، أبطحي، رضي، مقدام، همام، صابر، [صوام] مهذب، قوام، قاطع الأصلاب، و مفرق الأحزاب.

أربطهم عنانا [3] ، و أثبتهم جنانا، و أمضاهم عزيمة، و أشدهم شكيمة، أسد باسل، يطحنهم [4] في الحروب، اذا ازدلفت الأسنة، و قربت الأعنة، طحن الرحا، و يذروهم فيها ذرو الريح الهشيم.

ليث الحجاز، و كبش العراق، مكي مدني حنفي [خيفي]، عقبي، بدري،


[أحدي] شجري مهاجري.

من العرب سيدها، و من الوغي ليثها، وارث المشعرين، و أبو السبطين الحسن و الحسين، ذاك جدي علي بن أبي طالب.

ثم قال: أنا ابن فاطمة الزهراء، أنا ابن سيدة النساء.

فلم يزل يقول: أنا أنا حتي ضج الناس بالبكاء و النحيب، و خشي يزيد لعنه الله أن يكون فتنة، فأمر المؤذن، فقطع عليه الكلام، فلما قال المؤذن: الله أكبر [الله أكبر].

قال علي عليه السلام: لا شي ء أكبر من الله تعالي.

فلمأ قال: أشهد أن لا اله الا الله.

قال علي بن الحسين عليه السلام: شهد بها شعري و بشري و لحمي و دمي.

فلما قال المؤذن: أشهد أن محمدا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم.

التفت عليه السلام من فوق المنبر الي يزيد لعنه الله فقال: محمد هذا؛ جدي أم جدك يا يزيد؟ فان زعمت أنه جدك فقد كذبت و كفرت، و ان زعمت أنه جدي فلم قتلت عترته؟

قال: و فرغ المؤذن من الأذان و الاقامة، و تقدم يزيد لعنه الله فصلي صلاة الظهر [5] .

و في رواية أبي مخنف: و أمر رجلا يصعد المنبر و يسب الحسين عليه السلام، ففعل ذلك لعنه الله تعالي.

فقال علي بن الحسين عليه السلام للرجل: بالله عليك الا ما أذنت لي أن أصعد


المنبر و أتكلم بكلام فيه رضي الله و رسوله.

فقال له: اصعد المنبر يا غلام! و قل ما بدا لك، و اعتذر الرجل اليه.

قال: فصعد عليه السلام فجعل يتكلم بكلام الأنبياء بعذوبة لسان، و فصاحة و بلاغة، فأقبل اليه الناس من كل مكان، و قال:

أيها الناس! من عرفني فقد عرفني، و من لم يعرفني فأنا أعرفه بنفسي، فأنا علي بن الحسين بن علي المرتضي صلوات الله و سلامه عليهما.

أنا ابن من حج ولبي، أنا ابن من طاف وسعي، أنا ابن زمزم و الصفا.

أنا ابن فاطمة الزهراء، أنا ابن المذبوح من القنا، أنا ابن العطشان حتي قضي، أنا ابن من منعوه من الماء و أحلوه علي سائر الوري.

أنا ابن محمد المصطفي، أنا ابن صريع كربلاء، أنا ابن من راحت أنصاره تحت الثري، أنا ابن من غدت حريمه أسري، أنا ابن من ذبحت أنصاره [6] من غير سوي ء، أنا ابن من أضرم الأعداء في خيمته لظي، أنا ابن من أضحي صريعا بالعري.

أنا ابن من لا غسل و لا كفن يري، أنا ابن من رفع رأسه علي القنا، أنا ابن من هتك حريمه بأرض كربلا، أنا ابن من جسمه بأرض و رأسه بأخري، أنا ابن من لا يري حوله غير الأعداء، أنا ابن من سبيت حريمه الي الشام تهدي، أنا ابن من لا له ناصر و لا حمي.

ثم انه صلوات الله عليه انتحب و بكي، ثم قال:

أيها الناس! فضلنا الله تعالي بخمس خصال: فينا والله؛ مختلف الملائكة،


و معدن الرسالة، و فينا نزلت الايات، و نحن قدنا العالمين للهدي، و فينا الشجاعة فلم نخف بأسا، و البراعة و الفصاحة اذا افتخر الفصحاء.

و فينا الهدي الي سواء السبيل، و العلم لمن أراد أن يستفيد علما، و المحبة في قلوب المؤمنين من الوري، و لنا الشأن الأعلي في الأرض و السماء.

لو لا نا ما خلق الدنيا، و كل فخر دون فخرنا يهوي، و محبنا يسقي، و باغضنا يوم القيامة يشقي.

قال: فلما سمع الناس كلامه ضجوا بالبكاء والنحيب و علت الأصوات في الجامع، فخاف يزيد لعنه الله الفتنة و خشي أن تميل قلوب الناس اليه، فأمر المؤذن أن يقطع عليه خطبته، فصعد المؤذن و قال: الله أكبر.

فقال علي عليه السلام: كبرت كبيرا، و عظمت عظيما، و قلت حقا.

فقال المؤذن: أشهد أن لا اله الا الله.

فقال عليه السلام: أشهد بها مع كل شاهد، و أتحملها [7] مع كل جاحد.

فقال المؤذن: أشهد أن محمدا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم.

فبكي علي بن الحسين عليه السلام و علا منه الصياح، و قال: سألتك بالله يا يزيد! محمد جدي أم جدك؟

فقال: جدك.

فقال عليه السلام: فلم قتلت أهل بيته، و قتلت أبي، و أيتمتني علي صغر سني.

فلم يرد عليه جوابا و دخل داره، و قال: لا حاجة لي بالصلاة.

قال: فقام المنهال [بن عمر] الي علي بن الحسين عليه السلام فقال: كيف أصبحت يابن رسول الله؟


فقال له الامام عليه السلام: كيف حال من أصبح و قد قتل أبوه، و قل ناصره، و ينظر الي حرم من حوله أساري، قد فقدوا الستر و الغطاء، و قد أعدموا الكافل و الحمي، فهل تراني الا أسيرا ذليلا قد عدمت الناصر و الكفيل، قد كسيت أنا و أهل بيتي ثياب الأسي، و قد عدمت [8] علينا جديد العري، فان تسأل فها أنا كما تري قد شمت [9] فينا الأعداء، و نترقب الموت صباحا و مساء.

ثم قال: قد أصبحت العرب تفتخر علي العجم، بأن محمدا صلي الله عليه و آله و سلم منهم، و أصبحت قريش تفتخر علي سائر الناس، بأن محمدا صلي الله عليه و آله و سلم منهم، و نحن أهل بيته أصبحنا مقتولين مظلومين، قد حلت بنا الرزيات، نساق سبايا، و نجلب هدايا، كأن حسبنا من أسقط الحسب، و منتسبنا من أرذل النسب، كأن لم نكن هام المجد [و] رقينا، و علي بساط الجليل سعينا، و أصبح الملك ليزيد لعنه الله و جنوده، و أضحت بنو المصطفي من أدني عبيده.

قال: فعلت الأصوات من كل جانب بالبكاء و النحيب، لما أتي به من الكلام الغريب، و قد نطق بالحق المصيب.

قال: فخشي يزيد لعنه الله الفتنة، لأن جميع الناس أصغت الي ما قاله، و انغرست محبتهم له في قلوبهم.

فقال يزيد لعنه الله للذي أصعده المنبر: لم أصعدت هذا الغلام المنبر، انما أردت بصعوده زوال ملكي [10] .

فقال المؤذن: والله؛ ما علمت أن هذا الغلام يتكلم بمثل هذا الكلام.


فقال يزيد لعنه الله: أما علمت أن هذا من أهل بيت النبوة، و معدن الرسالة.

فقال له المؤذن: [اذا كان كذلك] فلم قتلت أباه، و أيتمته علي صغر سنه؟

قال: فأمر يزيد لعنه الله بضرب عنق المؤذن [11] .


پاورقي

[1] الظاهر أنه عليه‏السلام تغير الاسلوب من قوله عليه‏السلام: «سمح سخي» الي آخر الفقرات، و کون أبوالسبطين بالرفع دليل عليه، «منه رحمه الله».

[2] البهلول - کسر سور -: الضحاک و السيد الجامع لکل خير، «منه رحمه الله».

[3] عنان - لکتاب -:... اللجام، الجنان - بالفتح -: القلب الذي تمسک به الدابة، جمع أعنة و عنن، «منه رحمه الله».

[4] طحن البر کمنع، و طحنته: جعله دقيقا «منه رحمه الله».

[5] البحار: 139 - 137 / 45، مع اختلاف يسير في الألفاظ، و ما بين المعقوفتين من البحار.

[6] في المصدر: أطفاله.

[7] في المصدر: و اقربها.

[8] في المصدر: حرم.

[9] شمت - کفرح - شماتا و شماتة: فرخح ببلية العدو، «منه رحمه الله».

[10] في المصدر: ويحک! أردت بصعوده زوال ملکي.

[11] مقتل الحسين عليه‏السلام: 218 - 213، مع اختلاف في الألفاظ، و ما بين المعقوفتين من المصدر.