بازگشت

يزيد ينكت ثنايا الحسين و يتمثل بأبيات


قال أبومخنف: فجعل يزيد لعنه الله ينكت [1] ثنايا الحسين عليه السلام و هو ينشد بهذه الأبيات و يقول:



نفلق هاما من رجال أعزة

علينا و هم كانوا أعف و أصبرا



و أكرم عند الله منا محلة

و أفضل في كل الامور و أفخرا



عدونا و ما العدوان الا ضلالة

عليهم و من يعدوا علي الحق يخسرا



فان تعدلوا فالعدل ألقاه آخرا

اذا ضمنا يوم القيامة محشرا






و لكننا فزنا بملك معجل

و ان كان في العقبي نار تشعرا [2] .



و في بعض نسخ كتاب أبي مخنف ذكر هذه الأبيات، و هي قوله:



يا حسنه يلمع باليدين

يلمع في طشت من اللجين



كأنما حف بوردتين

كيف رأيت الضرب يا حسين



شفيت قلبي من دم الحسين

أخذت ثاري و قضيت ديني



يا ليت من شاهد في حنين

يرون فعلي اليوم بالحسين



و لم يزل يفتخر في فرح و سرور و شرب خمر.

و في «البحار» عن المفيد رحمه الله: ثم أقبل يزيد لعنه الله علي أهل مجلسه فقال: ان هذا كان يفخر علي و يقول: أبي خير من أب يزيد، و أمي خير من أمه، و جدي خير من جده، و أنا خير منه، فهذا الذي قتله.

فأما قوله بأن أبي خير من أب يزيد فلقد حاج أبي أباه، فقضي الله لأبي علي أبيه.

و أما قوله بأن امي خير من أم يزيد فلعمري لقد صدق، ان فاطمة بنت رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم خير من امي.

و أما قوله: جدي خير من جده؛ فليس لأحد يؤمن بالله و اليوم الاخر يقول بأنه خير من محمد صلي الله عليه و آله و سلم.

و أما قوله بأنه خير مني، فلعله لم يقرء هذه الاية: (قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء و تنزع الملك ممن تشاء) [3] [4] .


و في «التبر المذاب»: ذكر عين القضاة أبوالقاسم علي بن محمد السماني في تاريخه قال: لما وضع رأس الحسين بن علي عليه السلام بين يزيد لعنه الله فكان بيده قضيب فكشف عن شفتيه و ثناياه و نكتهما بالقضيب، و تمثل بالأبيات المشهورة: ليت أشياخي ببدر شهدوا.

فرآي تغير وجوه أهل الشام مما شاهدوا منه، و ثقل عليهم ما جري علي أهل البيت عليهم السلام خاف مما شاهد من الناس عند ذلك، فقال: أتدرون من أين دهي أبوعبدالله عليه السلام؟

فقالوا: لا.

قال: انما دهي من حيث الفقه كأني به، و قد قال: أنا خير من يزيد، و أبي خير من أبيه، و امي خير من أمه، وجدتي خير من جده، و عمي خير من عمه، و خالي خير من خاله، و أنا فقد رآني رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، و وضعني في حجره و حملني علي ظهره، و جعلني ريحانته، و شهد لي بأني سيد شباب أهل الجنة، و دعا لي و لنسلي بالبركة فأنا أحق بهذا الأمر من يزيد لعنه الله، و لكن ما لحظ قوله تعالي: (قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء و تنزع الملك ممن تشاء و تعز من تشاء و تذل من تشاء) [5] .

فسري عن وجوه أهل الشام ما كانوا فيه، لما سمعوا منه، و ظنوا أن الأمر كما قال، و ليس تأويل الاية كما ذكر، و لا أراد الله تعالي ما ذهب الجاهل اليه.

و انما أراد الباري سبحانه بالملك الذي أضافه اليه، انما هو الملك بالحق و الاستحقاق و العدل ويعز من يشاء بالطاعة التي يطاع بها في الدنيا و في الاخرة


بالجنة و الثواب، و يذل من يشاء بالمعصية، و قيام الحد اليه في الدنيا و في الاخرة عذاب النار.

و أما التغلب علي الملك و أخذه بغير استحقاق فلا يقال: انه داخل في الاية الشريفة، و قد انتقم الله عزوجل في الدنيا من كل من أعان علي قتل الحسين عليه السلام، و خرج عليه علي يد المختار بن أبي عبيدة الثقفي آخذ كل من شهد بقتل الحسين عليه السلام بأقبح المثلات [6] و أشنعها.

و فيه: في ذيل خبر سهل بن الساعدي: فأمر يزيد لعنه الله بوضعه علي طبق من ذهب، ثم دعا بالشراب، فشرب، ثم صب جراعة منه علي الرأس الشريف، و قال: كيف رأيت يا حسين! أتزعم أن أباك ساق علي الحوض، فاذا مررت عليه يومئذ فلا يسقني، و تقول: ان جدك حرم آنية الذهب و الفضة علي الأمة ها رأسك علي الذهب، و يفتخر أبوك بأنه قتل الأقران يوم بدر هذا بذاك، ثم أنشد ارتجالا يقول:



هلال بدا و هلال أفل

كذلك تجري صروف الدول



لئن سائنا أن جيشا مضي

لقد سرنا أن جيشا قتل [7] .



قال: قال أهل العلم: صب الجرعة من الخمر علي رأس الحسين عليه السلام و استهزائه بأن عليا ساق علي الحوض، و أن محمدا صلي الله عليه و آله و سلم حرم الذهب و الفضة،


و شعره في الانتقام من بني أحمد واترا عن شيوخه الكفرة المقتولين يوم بدر ان صح عنه ذلك فهو كافر، لأنه ما فعل ذلك الا و هو منكر لما جاء به النبي صلي الله عليه و آله و سلم و عدم التصديق به كفر.

و فيه أيضا: قال أبوالفرج بن الجوزي في كتاب «الرد علي المتعصب العنيد في تصويب فعل يزيد لعنه الله»: ليس العجب من قتال ابن زياد لعنه الله الحسين عليه السلام و تسليطه عمر بن سعد لعنه الله علي قتله و الشمر و حمل الرؤوس اليه، و انما العجب صب الخمر علي رأس الحسين عليه السلام و ضربه بالقصيب ثناياه، و أمر ابن زياد لعنه الله بحمل آل بيت رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم سبايا علي أقتاب الجمال، و عزمه علي دفع فاطمة بنت الحسين عليه السلام للرجل الذي طلبها منه، و انشاده لعنه الله:

ليت أشياخي ببدر شهدوا.

أفيجوز أن يفعل هذا بالخوارج؟ أليس باجماع المسلمين أن قتلي المسلمين يكفنون و يصلي عليهم و يدفنون؟

و قول يزيد لعنه الله لفاطمة بنت الحسين عليه السلام: لي أن أسبيكم لما طلبها الرجل؟

و هذا قول لا يقنع لقائله و فاعله باللعنة، و لو يكن في قلبه أحقاد جاهلية و أضغان بدرية لاحترم الرأس لما وصل اليه، و لم يضربه بالقضيب، و لا صب عليه جرعة الخمر، و لكفنه و دفنه و أحسن الي آل رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم.

و الدليل علي صحة ذلك أنه استدعي ابن زياد لعنه الله و شكره علي فعله، و أعطاه أموالا جزيلة و تحفا كثيرة من بيت مال المسلمين، و قرب مجلسه، و رفع


منزلته، و أدخله علي نسائه، و جعله نديمه و سهر [8] ليله، فقال للمغني غن، ثم أنشد بديها:



اسقني شربة فرو فؤادي

ثم املي ء فاسق ابن زياد



صاحب السر و الأمانة عندي

و لتسديد مغنمي و جهادي



قاتل الخارجي أعني حسينا

و مبيد الأعداء و الأضداد [9] .




پاورقي

[1] النکت: أن تضرب في الأرض بقضيب، فيؤثر فيها، «منه رحمه الله».

[2] مقتل الحسين عليه‏السلام: 202 - 200، مع اختلاف يسير في الألفاظ.

[3] آل عمران: 26.

[4] البحار: 131 / 45.

[5] آل عمران: 26.

[6] مثل به مثلا أي: نکل به، و الاسم المثلة - بالضم - و المثلة - بفتح الميم و ضم التاء -: العقوبة، و الجمع: المثلاث (صحاح) قوله تعالي: (قد خلت من قبلهم المثلات)، «منه رحمه الله».

[7] القتل - بالضم، و بضمتين - جمع قتول لکثير القتل، «القاموس»، و يحتمل أن يکون فعلا مبنيا للمفعول أو المعلوم، فعلي الأول فالمراد من الجيش الامام المظلوم صلوات الله عليه، و علي الثاني جيش يزيد لعنه الله، «منه رحمه الله».

[8] في الدمعة الساکبة: و سکر.

[9] الدمعة الساکبة: 100 / 5.