بازگشت

ما قالته زينب عند مشاهدتها لرأس الحسين


فبينما هي تخاطبهم اذا بضجة قد ارتفعت، و اذا هم قد أتوا بالرؤوس يقدمهم رأس الحسين عليه السلام، و هو رأس زهري قمري أشبه الخلق برسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، و لحيته كسواد السبج [1] ، قد انتصل [2] بها الخضاب، و وجهه [داره] قمر طالع، و الريح تلعب بها يمينا و شمالا.

فالتفتت زينب عليهاالسلام فرأت رأس أخيها، فنطحت جبينها بمقدم المحمل، حتي رأينا الدم يخرج من تحت قناعها، و أو مات اليه بخرقة، و جعلت تقول:



يا هلالا لما استتم كمالا

غالبه خسفه فأبدي غروبا



ما توهمت يا شفيق فؤادي

كان هذا مقدرا مكتوبا






يا أخي! فاطم الصغيرة كلمها

فقد كاد قلبها أن يذوبا



يا أخي! قلبك الشفيق علينا

ما له قد قسي و صار صليبا؟



يا أخي! لو تري عليا لدي الأسر

مع اليتم [3] لا يطيق وجوبا



كلما أوجعوه بالضرب ناداك

بذل يفيض [4] دمعا سكوبا



يا أخي! ضمه اليك و قربه

و سكن فؤاده المرعوبا



ما أذل اليتيم حين ينادي

بأبيه و لا يراه مجيبا [5] .



و في كتاب آخر مما ألفه الشيخ حسن بن الشيخ علي الملقب بأبي قطفان سقي ثراه صوب الرضوان: روي مرسلا عن رجل من الشيعة قال:

أخطأت خطيئة، و جنيت جناية لو لم تغفر لي لما شككت أني من أهل النار، و هي أني كنت في الكوفة، و ليس لي علم بما جري علي الحسين عليه السلام و عياله.

فبينما أنا جالس في سوق الكوفة و نفسي مستوحشة مما أراه من تغير الليل و النهار، و أري جدران الكوفة كأنها مطلية بدم عبيط، و الافاق مسودة، و الجهات [6] مغبرة [7] ، و كل انسان أراه كأن ثيابه و وجهه مطليان بالدم، و الناس في حيرة شديدة، و دهشة عظيمة، و لا أعلم ما سبب ذلك.

فبينما أنا علي تلك الحالة، و اذا بتكبير و تهليل و أصوات عالية، و رجة


عظيمة، فقمت لأنظر ماذا، و اذا برؤوس مرفوعة علي الرماح، و نساء علي الجمال من غير غطاء و لا وطاء، و بين تلك النساء بنات صغار وجوهن كالقناديل، و كل واحدة علي جمل أدبر أعجف، و شعورهن منشورة، و رؤوسهن منكة حياء من الناس.

و بينهن ولد راكب علي جمل، و هو مفيد من تحت بطن الناقة، و فخذاه يشخبان دما، و هو مكشوف الرأس عار من الثياب.

و بين الحاملين للرؤوس رجل علي رمحه رأس أزهر من تلك الرؤوس و لم ير عليه آثار القتل، و هو يتحمس و يقول:



أنا صاحب الرمح الطويل

أنا صاحب السيف الصقيل



أنا قاتل ذي الدين الأصيل

ثم سكت لعنه الله، فقالت له امرأة من تلك النساء: فقل - يا ويلك! -:



و من ناغاه في المهد جبرئيل، و من بعض خدامه ميكائيل و اسرافيل و عزرائيل، و من عتقائه صلصائيل، و من اهتز لقتله عرش الجليل.

و قل - يا ويلك! -: أنا اقتل محمد المصطفي، و علي المرتضي، و فاطمة الزهراء، و الحسن المجتبي [8] ، و أئمة الهدي، و ملائكة السماء و الأنبياء و الأوصياء.

فدنوت لواحدة من النساء لأسألها، فقلت لها:ما هذه الرؤوس؟ و ما هذه السبايا؟

فصاحت بي صيحة خلت أنها صاعقة أصابت فؤادي و هي تقول: أما


تستحي من الله تنظر الينا؟

فسقطت علي وجهي مغشيا علي، فلما أفقت من غشوتي، و قمت رأيتهم قد بعدوا عني، فلطمت علي وجهي و قلت: هلكت و رب الكعبة.

فقمت أعدو حتي وصلت قريبا منها، فتأدبت بين يديها و أطرقت رأسي حياء منها، و أنا أبكي و هي مشغولة بالبكاء، و أنا أسائرها و لم أتجرأ علي مسألتها، فالتفتت الي، و قالت: ما يبكيك يا رجل؟!

قلت: عليكم يا سيدتي، و علي ما جري عليكم، لكن أخبريني من أنتم؟ و ما هذه الرؤوس المشالة علي الرماح؟ فاني أري لكم هيبة و شأنا جليلا، و أري فؤادي يتصدع [9] من رؤيتكم، و عيني تدمع من حزني عليكم، و ما رأيت سبيا كسبيكم، و لا مقتولا تجري عليه المدامع مثل مقتولكم، و لم أعرف من أين أنتم؟

فنكست رأسها حياء مني و قالت:

أنا زينب بنت علي بن أبي طالب عليه السلام، و هذه السبايا بنات رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، و بنات علي و فاطمة الزهراء عليهاالسلام، و ذلك الرأس الأزهر المتقدم علي الرؤوس رأس أخي الحسين عليه السلام الذي ذبحوه في أرض كربلاء، و ذبحواه أولاده و بني أخيه و أصحابه عن آخرهم، و هذه رؤوسهم، و ذلك الصبي المقيد من تحت بطن الناقة علي بن الحسين عليهماالسلام امام العصر بعد أبيه.

فلما سمعت كلامها ضربت رأسي بحجر حتي كسرته، و مزقت ثيابي، و لطمت وجهي، و قلت: يا سيدتي! قلع الله عينا تنظر اليكم بخيانة، فأنا محبكم و مواليكم و عزيز علي ما نالكم، و ما نزل بكم، فيا لهفتاه! عيكم و يا طول تأسفي


علي ما أصابكم.

فقالت: اذا كنت محبنا فلم لا نصرتنا و حاميت عنا؟

قلت: يا سيدتي! سوء حظي أخرني عن نصرتكم.

فأدخلوهم قصر الامارة و جري ما جري عليهم [10] .

و قال أبومخنف: قال الشهرزوري: أقبلت في تلك السنة من الحج، فدخلت الكوفة فرأيت الأسواق معطلة و الدكاكين مقفلة، و الناس بين باك و ضاحك، فدنوت الي شيخ منهم و قلت: مالي أري الناس بين باك و ضاحك؟ ألكم عيد لست أعرفه.

فأخذ بيدي و عدل بي عن الناس، ثم بكي الشيخ بكاء عاليا، و قال: سيدي! ما لنا عيد، و لكن بكاؤهم والله؛ من أجل عسكرين: أحدهما ظافر، و الاخر مقتول.

فقلت: و من هذين العسكرين؟

فقال: عسكر الحسين عليه السلام مقتول، و عسكر ابن زياد لعنه الله ظافر.

ثم قال: وا حر قلباه! و في هذه الساعة يدخل عليكم كرائم الحسين عليه السلام.

قال: فما استتم كلامه حتي سمعت البوقات تضرب، و الرايات تخفق، و اذا بالعسكر قد دخل الكوفة، و سمعت صيحة عظيمة، و اذا برأس الحسين عليه السلام، و النور يسطع منه، فخنقتني العبرة لما رأيته، ثم أقبلت السبايا يقدمهم علي بن الحسين عليهماالسلام، ثم أقبلت من بعده ام كلثوم عليهاالسلام و عليها برقع خز أدكن، و هي تنادي:


يا أهل الكوفة! غضوا أبصاركم عنا، أما تستحون من الله و رسوله أن تنظروا الي حرم رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، و هن عرايا؟

قال: فوقفوا بباب بني خزيمة، و الرأس علي قناة طويلة، و هو يقرء سورة الكهف الي أن بلغ (أم حسبت أن أصحاب الكهف و الرقيم كانوا من آياتنا عجبا) [11] .

قال سهل: فبكيت، و قلت: يابن رسول الله! رأسك أعجب، ثم وقعت مغشيا علي فم افق حتي ختم السورة [12] .


پاورقي

[1] السبج: الخرز الأسود، فارسي معرب، «منه رحمه الله».

[2] الانتصال: خروج اللحية من الخضاب.

[3] اليتم - بالضم -: الانفراد، و فقدان الأب، و يحرک، «منه رحمه الله».

[4] في البحار: يغيض.

[5] المنتخب: 465 - 463، البحار: 115 - 114 / 45، مع اختلاف يسير.

[6] الجهة - بالکسر و الضم -: الناحية، کالوجه و الوجهة، جمع: جهات، «منه رحمه الله».

[7] في الدمعة الساکبة: مغيرة.

[8] في الدمعة الساکبة: المزکي.

[9] في الدمعة الساکبة: ينصدع.

[10] في الدمعة الساکبة: 47 - 45 / 5.

[11] الکهف: 9.

[12] في الدمعة الساکبة: 5 / 47 و 48.