بازگشت

اهل البيت و اهل الكوفة


و في بعض الكتب: عن سهل بن سعيد الشهرزوري، عن جديلة الأسدي قال: قال لي: يا أخي! كنت بالكوفة سنة احدي و ستين حين منصرف الناس من كربلاء، فرأيت نساء مهتكات الجيوب، لا طمات الخدود، فقلت لشيخ من أهل الكوفة: ماذا أصاب؟

قال: أولا تري رأس الحسين عليه السلام؟! فبينما يقص علي ذلك و اذا بامرأة كأنها التبر المذاب علي سنام بعير أدبر من غير وطاء و لا حجاب، فسألت عنها.

فقيل لي: هذه ام كلثوم عليهاالسلام.

و اذا خلفها ولد قد أضر به الوجع، علي سنام بعير أعجف، و رأسه مكشوف، و الدم يسيل من ساقيه، فسألته: من هذا الولد؟

فقال: علي بن الحسين عليه السلام.

فخنقتني العبرة، و اذا بنساء أهل الكوفة تناول الأطفال الذين في حجور النساء من خمس تمرات، و قطعة رغيف.

فصاحت بهن ام كلثوم عليهاالسلام: علي من يتصدق علينا أهل البيت، فان الصدقة علينا حرام.

و جعلت تأخذ ذلك من أيدي الأطفال و أفواههم، و ترمي به الي الأرض، فضج الناس بالبكاء و النحيب، فشقوا الجيوب، و نادوا: و ابن بنت نبياه! وا حسناه! وا حسيناه!


و اذا بامرأة مشكوفة الرأس، منشورة الشعر علي المتنين، تستر وجهها بكفيها، اذ لم يكن عندها خرقة تستر وجهها، فقلت: من هذه؟

فقال: سكينة عليهاالسلام.

و اذا علي سنام جمل أدبر ثلاث بنات كأنهن الأقمار، مسلبات الأطمار، منشورة الشعر علي الأكتاف، و لا لهن ستر و لا لحاف، فقلت: من هذه البنات؟

فقالوا: رقية و صفية و فاطمة الصغري عليهم السلام.

فعميت عيناي من البكاء، و اذا بامرأة تبكي و تصيح: أما تغضون أبصاركم عن حرم رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم؟

فضج الناس بالبكاء و العويل، فقلت: من هذه؟

فقال: زينب عليهاالسلام.

فضربت علي وجهي و بكيت، فرفعت رأسها ام كلثوم عليهاالسلام، و قالت:

صه؛ يا أهل الكوفة؛ تقتلنا رجالكم، و تبكينا نساؤكم، و ما لنا؟ و مالكم؟ بيننا و بينكم الله وقت فصل القضاء.

يا أهل الجدل و الصلف! لقد تعديتم عدوانا مبينا، أما علمتم أي كبد لرسول الله صلي الله عليه و آله و سلم فريتم؟ أم أي رحم له قطعتم؟ أم أي بناء له هدمتم؟ لقد جئتم و الله؛ شيئا ادا [1] .

و في «المنتخب»: روي مرسلا عن مسلم الجصاص قال: دعاني ابن زياد لعنه الله لاصلاح دار الامارة بالكوفة، فبينما أنا أجصص الأبواب، و اذا أنا بالزعقات قد ارتفعت من جنبات الكوفة، فأقبلت الي خادم كان يعمل معنا،


فقلت: مالي أري الكوفة تضج؟

فقال: الساعة أتوا برأس خارجي خرج علي يزيد بن معاوية.

فقلت: و من هذا الخارجي؟

فقال: الحسين بن علي عليهماالسلام.

قال: فتركت الخادم حتي خرج، فلطمت علي وجهي حتي خشيت علي عيني أن يذهب، و غسلت يدي من الجص، و خرجت من ظهر القصر، و أتيت الي الكناس.

فبينما أنا واقف و الناس يتوقعون وصول السبايا [2] و الرؤوس، اذ أقبلت نحو أربعين شقة تحمل علي أربعين جملا، فيها الحرم و النساء و أولاد فاطمة عليهاالسلام، و اذا بعلي بن الحسين عليهماالسلام علي بعير بغير وطاء، فأوداجه تشخب دما، و هو مع ذلك يبكي و هو يقول:



يا أمة السوء لا سقيا لربعكم

يا أمة لم تراع جدنا فينا



لو أننا و رسول الله يجمعنا

يوم القيامة ما كنتم تقولونا؟



تسيرونا علي الأقتاب عارية

كأننا لم نشيد فيكم دينا



بني امية ما هذا الوقوف علي

تلك المصائب لا تلبون داعينا



تصفقون علينا كفكم فرحا

و أنتم في فجاج الأرض تؤذونا [3] .



أليس جدي رسول الله ويلكم؟

أهدي البرية من سبيل المضلينا



يا وقعة الطف! قد أورثتني كمدا [4] .

[و] الله يهتك أستار المسيئينا




قال: و صار أهل الكوفة يناولون الأطفال الذين علي المحامل بعض التمر و الخبز و الجوز، فصاحت بهم ام كلثوم عليهاالسلام و قالت:

يا أهل الكوفة! ان الصدقة علينا حرام.

و صارت تأخذ ذلك من أيدي الأطفال و أفواههم و ترمي بهم الي الأرض.

قال: و الناس يبكون علي ما أصابهم.

ثم ان ام كلثوم عليهاالسلام أطلعت رأسها من المحمل، و قالت لهم:

صه، يا أهل الكوفة! تقتلنا رجالكم، و تبكينا نساؤكم، فالحاكم بيننا و بينكم الله يوم فصل القضاء.


پاورقي

[1] الدمعة الساکبة: 5 / 43 و 44.

[2] السبايا - بالفتح - جمع سبي بمعني الأسير، «منه رحمه الله».

[3] في المصدر و البحار: تسبونا.

[4] کمد - کفلس و بالتحريک -: شدة الحزن،«منه رحمه الله»، و في البحار: حزنا.