الوداع الأخير لأبي عبدالله الحسين
فنفص الماء من يده و رجع الي الخيم، فوجدها سالمة، فعلم أنها كانت مكيدة و حيلة منهم لعنهم الله تعالي.
قال: و أقبل اليه النساء و الأطفال قاصدين الماء، فلما رأينه مخضبا بدم الجراح صحن و لطمن وجوههن و قامت الضجة بينهن.
فقال لهم الحسين عليه السلام: مهلا فان البكاء أمامكن [1] .
و في «المعدن»: فنادي في تلك الحالة: يا زينب! يا ام كلثوم! يا سكينة! يا رقية! يا فاطمة! عليكن مني السلام.
فأقبلت زينب فقالت: يا أخي! أيقنت [2] بالقتل.
فقال: كيف لا أيقن و ليس لي معين و لا نصير.
فقالت: يا أخي! ردنا الي حرم جدنا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم.
فقال: هيهات لو تركت ما ألقيت نفسي المهلكة، و كأنكم غير بعيد كالعبيد يسوقونكم أمام الركاب، و يسومونكم سوء العذاب.
فلما سمعت زينب عليهاالسلام بكت و جري الدمع من عينيها و نادت: وا وحدتاه! وا قلة ناصراه! وا سوء منقلباه! وا شؤم صباحاه!
فشقت ثوبها و نشرت شعرها، و لطمت علي وجهها.
فقال عليه السلام لها: مهلا يا بنت المرتضي! ان البكاء طويل.
فأراد أن يخرج من الخيمة فتعلقت به [3] زينب عليهاالسلام و قالت: مهلا يا أخي! توقف حتي أزود من نظري، و أودعك وداع مفارق لا تلاقي بعده.
فمهلا أخي قبل الممات هنيئة [4] .
لتبرد مني لوعة و غليل
فجعلت تقبل يديه و رجليه، و أحطن به سائر النسوان و يقبلن يده
و رجله [5] .
قال صاحب «الأصل»: قد رأيت في بعض مؤلفات أصحابنا:
أنه لما ضاق الأمر بالحسين عليه السلام و بقي وحيدا فريدا التفت الي خيم بني أبيه، فرآها خالية منهم.
ثم التفت الي خيم أصحابه فلم ير منهم أحدا، فجعل يكثر من قول: «لا حول و لا قوة الا بالله العلي العظيم» [6] .
پاورقي
[1] الدمعة الساکبة: 4 / 344 و 345.
[2] يقن الأمر - کفرح - يقينا...: علمه و تحققه، «منه رحمه الله».
[3] في الدمعة الساکبة: فلصقت به.
[4] هنيئة: بضم الهاء و فتح النون و تشديد الياء المثناة التحتانية، «منه رحمه الله».
[5] الدمعة الساکبه: 4 / 345 و 346.
[6] الدمعة الساکبة: 351 / 4.