وصية مسلم
قال: فدعني اوصي الي بعض قومي.
قال: أفعل، فنظر مسلم الي جلساء عبيدالله بن زياد، و فيهم عمر بن سعد بن أبي وقاص، فقال: يا عمر! ان بيني و بينك قرابة، ولي اليك حاجة، و قد يجب لي عليك نجح حاجتي و هي سر.
فامتنع عمر أن يسمع منه، فقال له عبيدالله بن زياد لعنه الله: لم تمتنع أن تنظر في حاجة ابن عمك.
فقام معه فجلس حيث ينظر اليهما ابن زياد لعنه الله فقال له - بعد الشهادة بالتوحيد و الرسالة و الولاية لعلي عليه السلام، كما في «المنتخب» -:
ان علي بالكوفة دينا استدنته منذ دخلت الكوفة سبعمائة درهم، فبع
سيفي و درعي فاقضها عني، و اذا قتلت فاستوهب جثتي من ابن زياد فوارها، و أبعث الي الحسين عليه السلام من يرده، فاني قد كتبت اليه اعلمه أن الناس معه، و لا أراه الا مقبلا.
فقال عمر لابن زياد: أتدري أيها الأمير ما قال لي؟ انه ذكر كذا و كذا.
فقال ابن زياد لعنه الله انه لا يخونك الأمين، و لكن قد يؤتمن الخائن! أما مالك؛ فهو لك، و لسنا نمنعك أن تصنع به ما أحببت، و أما جثته؛ فاني لا نبالي اذا قتلناه ما صنع بها، و أما حسين؛ فان هو لم يردنا لم نرده.
ثم قال ابن زياد: ايه يابن عقيل! أتيت الناس و هم جمع، فشتت بينهم، و فرقت كلمتهم، و حملت بعضهم علي بعض.
قال: كلا؛ لست لذلك أتيت، و لكن أهل المصر زعموا أن أباك قتل خيارهم، وسفك دمائهم، و عمل فيها أعمال كسري و قيصر، فأتيناهم لنأمر بالعدل، و ندعوا الي حكم الكتاب.
فقال له ابن زياد لعنه الله: و ما أنت ذاك يا فاسق؟ لم لم تعمل فيهم بذلك اذ أنت بالمدينة تشرب الخمر؟
فقال مسلم عليه السلام: أنا أشرب الخمر!! أما و الله؛ ان الله ليعلم أنك غير صادق، و أنك قد قلت بغير علم، و اني لست كما ذكرت، و أنك أحق بشرب الخمر مني، و أولي بها من يلغ في دماء المسلمين ولغا، فيقتل النفس التي حرم الله قتلها، و يسفك الدم الذي حرم الله علي الغصب و العداوة، و سوء الظن، و هو يلهو و يلعب كأن لم يصنع شيئا.
فقال له ابن زياد لعنه الله: يا فاسق! ان نفسك منتك ما حال الله دونه، و لم
يرك الله له أهلا.
فقال له مسلم عليه السلام: فمن أهله اذا لم نكن نحن أهله.
فقال ابن زياد: أميرالمؤمنين!! يزيد.
فقال له مسلم عليه السلام: ألحمد لله علي كل حال، رضينا بالله حكما بيننا و بينكم. فقال له ابن زياد: قتلني الله ان لم أقتلك قتلة لم يقتلها أحد في الاسلام من الناس.
فقال له مسلم: أما انك أحق أن تحدث في الاسلام ما لم يكن، و انك لا تدع سوء القتلة و قبح المثلة [1] و خبث السيرة، و لؤم الغلبة، لا أحد من الناس أولي بها منك.
فأقبل ابن زياد لعنه الله يشتمه و يشتم الحسين عليه السلام، و عليا عليه السلام [و عقيلا]، و أخذ مسلم رحمه الله لا يكلمه.
پاورقي
[1] المثلة: العقوبة و قتلة، «منه رحمه الله».