بازگشت

محاورة مسلم مع ابن زياد بعد أن أخذ أسيرا


قال المفيد رحمه الله: فاتي ببلغة، فحمل عليها، و اجتمعوا حوله و نزعوا سيفه، فكأنه عند ذلك يئس من نفسه، فدمعت عيناه، ثم قال: هذا أول الغدر.

فقال محمد بن الأشعث: أرجو أن لا يكون عليك بأس.

فقال: و ما هو الا الرجاء، فأين أمانكم؟ انا لله و انا اليه راجعون. و بكي.

فقال له عبيدالله بن العباس [السلمي]: ان من يطلب مثل الذي طلبت اذا نزل به مثل ما نزل بك لم يبك.

قال: والله؛ ما لنفسي بكيت، و لا لها من القتل أرثي، و ان كنت لا احب لها طرفة عين تلفا، و لكن أبكي لأهلي المقبلين الي، [اني] [1] أبكي للحسين عليه السلام و آل الحسين.

ثم أقبل علي محمد بن الأشعث فقال: يا عبدالله! اني أراك والله؛ ستعجز عن أماني، فهل عندك خير؟ تستطيع أن تبعث رجلا من عندك علي لساني أن يبلغ حسينا عليه السلام؟ فاني لا أراه الا و قد خرج اليكم اليوم أو خارج غدا هو و أهل بيته، و يقول له:

ان ابن عقيل بعثني اليك، و هو أسير في أيدي القوم، لا يري أنه يمسي حتي يقتل، و هو يقول لك: ارجع فداك أبي و امي بأهل بيتك، و لا يغررك أهل الكوفة، فانهم أصحاب أبيك الذين [كان] يتمني فراقهم بالموت أو القتل، ان أهل الكوفة قد كذبوك و ليس لمكذوب رأي.

فقال ابن الأشعث: والله؛ لأفعلن و لأعلمن ابن زياد اني قد آمنتك.


فأقبل ابن الأشعث بابن عقيل الي باب القصر، و استأذن [فأذن] له، فدخل علي عبيدالله بن زياد لعنه الله، فأخبره خبر ابن عقيل، و ضرب بكر اياه، و ما كان من أمانه له، فقال له عبيدالله: و ما أنت و الأمان؟! كأنا أرسلناك لتؤمنه، انا أرسلناك لتأتينا به.

فسكت ابن الأشعث، و انتهي بابن عقيل الي باب القصر، و قد اشتد به العطش، و علي باب القصر ناس جلوس، ينتظرون الاذن، [فيهم عمارة بن عقبة بن أبي معيط، و عمرو بن حريث، و مسلم بن عمرو، و كثير بن شهاب] و اذا فلة باردة موضوعة علي الباب [فقال مسلم: اسقوفي من هذا الماء؟!] [2] .

فقال له مسلم بن عمرو: أتراها؟ ما أبردها! لا والله؛ لا تذوق منها قطرة أبدا حتي تذوق الحميم في نار جهنم.

فقال له ابن عقيل عليه السلام: ويلك من أنت؟

فقال: أنا الذي عرف الحق اذ أنكرته، و نصح لامامه اذ عششته، و أطاعه اذ [عصبته] [3] و خالفته، أنا مسلم بن عمرو الباهلي.

فقال ابن عقيل عليه السلام: لامك الثكل! ما أجفاك و أقطعك [4] و أقسي قلبك، أنت يابن باهلة! أولي بالحميم و الخلود في نار جهنم مني.

ثم جلس فتساند الي حائط، و بعث عمرو غلاما له، فأتاه بقلة عليها منديل و قدح، فصب فيه ماء، فقال له: اشرب.

فأخذ كلما شرب امتلأ القدح دما من فمه، فلا يقدر أن يشرب، ففعل ذلك


مرتين، فلما ذهب [في] الثالثة ليشرب سقطت ثناياه في القدح، فقال: الحمدلله، لو كان [لي] من الرزق المقسوم لشربته.

فخرج رسول ابن زياد لعنه الله فأمر بادخاله [اليه] ، فلما دخل لم يسلم عليه بالأمرة، فقال له الحرسي: ألا تسلم علي الأمير؟

فقال: ان كان يريد قتلي فما سلامي عليه، و ان كان يريد قتلي فليكثرن سلامي عليه.

فقال له ابن زياد لعنه الله: لعمري لتقتلن.

قال: كذلك.

قال: نعم.


پاورقي

[1] من البحار.

[2] أثبتناه من الارشاد و البحار.

[3] لم ترد في الارشاد و البحار.

[4] في الارشاد: و أفظک.